وأجيب عن ذلك: بأنه لم لا يجوز أن يقال: إن نفي ذلك الحكم وإسقاط التعبد به خير من ثبوته في ذلك الوقت، مضافا إلى أنه جاء الحكم منسوخا لا إلى بدل كما نسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول لا إلى بدل؟
ومنها: أنه ذهب قوم إلى أنه لا يجوز نسخ الشئ إلى ما هو أثقل منه، واحتجوا بأن قوله تعالى: * (نأت بخير منها أو مثلها) * ينافي كونه أثقل، لأن الأثقل لا يكون خيرا منه ولا مثله.
وأجيب عنه: بأنه لم لا يجوز أن يكون المراد بالخير ما يكون أكثر ثوابا في الآخرة؟ والذي يدل على وقوعه أن الله سبحانه نسخ في حق الزناة الحبس في البيوت إلى الجلد والرجم، ونسخ صوم عاشوراء بصوم شهر رمضان، وكانت الصلاة ركعتين فنسخت بأربع في الحضر. فيتحصل من ذلك كله أن النسخ قد يكون إلى الأسهل والأخف، وذلك كنسخ العدة من الحول إلى أربعة أشهر وعشر، وكنسخ وجوب صلاة الليل إلى التخيير فيها، وقد يكون إلى المثل، وذلك كتحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام، وقد يكون إلى الأصعب، وذلك كما مر عليك من نسخ الحبس في البيوت إلى الجلد والرجم في حق الزناة، وكل هذه الأقسام الثلاثة واقعة في القرآن الكريم كما تراه.
ومنها: أنه ذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، واستدل على ذلك بهذه الآية من وجوه:
أحدها: أنه تعالى أخبر أن ما ينسخه من الآيات يأت بخير منه، وذلك يفيد أنه يأتي بما هو من جنسه، كما إذا قال الانسان: ما آخذ منك من ثوب آتيك بخير منه، يفيد أنه يأتيه بثوب من جنسه خير منه، وإذا ثبت أنه لا بد من أن يكون من جنسه فجنس القرآن قرآن.