ذلك الاعتقاد، والمعتقد لا يتغير في نفسه عن صفة إلى غيرها، وليس كذلك الشرعيات، لأنها تابعة للمصالح، ولا يمتنع أن يكون من مصلحتهم تقليد العلماء في جميع تلك الأحكام، وذلك لا يتأتى في أصول الديانات.
على أن الذي يقوى في نفسي أن المقلد للمحق في أصول الديانات - وإن كان مخطئا في تقليده - غير مؤاخذ به، وأنه معفو عنه، وإنما قلنا ذلك لمثل هذه الطريقة التي قدمناها، لأني لم أجد أحدا من الطائفة ولا من الأئمة (عليهم السلام) قطع موالاة من سمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم، وإن لم يسند ذلك إلى حجة عقل أو شرع.
وليس لأحد أن يقول: إن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى الإغراء بما لا يؤمن أن يكون جهلا، وذلك لأنه لا يؤدي إلى شئ من ذلك، لأن هذا المقلد لا يمكنه أن يعلم ابتداء أن ذلك سائغ له، فهو خائف من الإقدام على ذلك، ولا يمكنه أيضا أن يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد، لأنه إنما يمكنه أن يعلم ذلك إذا عرف الأصول، وقد فرضنا أنه مقلد في ذلك كله، فكيف يعلم اسقاط العقاب فيكون مغرى باعتقاد ما لا يؤمن كونه جهلا أو باستدامته؟ وإنما يعلم ذلك غيره من العلماء الذين حصل لهم العلم بالأصول وسبروا أحواله، وأن العلماء لم يقطعوا موالاتهم ولا أنكروا عليهم، ولم يسغ ذلك لهم إلا بعد العلم بسقوط العقاب عنهم، وذلك يخرجه عن باب الإغراء! وهذا القدر كاف في هذا الباب إن شاء الله تعالى. (1) انتهى شريف كلامه زيد في علو مقامه، وفي طواياه وخباياه فوائد يعرفها المستنبطون، فإلى القارئ الكريم غنمها واغتنامها إن كان من العارفين، وهاهنا وعند هذا المقام نختم الكلام وننتقل بالبحث إلى موضوع آخر هو:
الرابع من الأدلة الدالة على جواز التقليد أو وجوبه: هو دليل العقل. وقد قرر