الواقع وحق الحقيقة إلا مجرد التصوير، وأنه إبراز للمعقول بصورة المحسوس إيقافا على الفهم الواقعي الصحيح وإلا فلا قول ولا مقول هناك، إذن فلا محذور هناك.
هذه الأقوال التي ذكرناها هي الأقوال التي لها الشهرة بين علماء الكلام، وهناك رأي للحنابلة طريف في إسفافه وإسرافه، هو قولهم بأن القرآن هو هذه الحروف والأصوات المتركبة من الأجزاء المتعاقبة المترتبة في الوجود، وبالرغم من كل ذلك فهو عندهم قديم، وقد أسف فريق منهم إسفافا فوق هذا الإسفاف فادعى - جهلا - قدم الجلد والغلاف، وإن هذا الإسفاف ممقوت.
وهناك رأي آخر في قبال هذا الرأي قد بلغ في التطرف حده البعيد، ذلك هو رأي الكرامية، حيث قالوا: إن الكلام هو الأصوات والحروف، ولكنه عندهم حادث وهو قائم بذات الله سبحانه، ولا مانع من قيامه بذاته تعالى، وهو حادث، فإنهم جوزوا أن تكون ذاته محل الحوادث، هذا رأي في قبح التفريط، لا يقل عن الرأي السابق في قبح الإفراط، وماذا - يا ترى - تكون العاقبة، إذا كان القديم محل الحوادث؟ المحذور فيه لا يحتاج إلى بيان.
وحيث عرفت ما في هذه الأقوال وما عليها من نقض وإبرام، فلنستعرض قياسين هاهنا ألفهما بعض علماء الكلام، وهما متعارضان كل التعارض، نستعرضهما لنرى أيهما على أي هذه الأقوال ينطبقان.
يقول أول القياسين: الكلام صفة من صفاته تعالى، وكل ما هو من صفاته تعالى، قديم، فبالطبع إن رتبنا صورة القياس هكذا، تكون نتيجة القياس، هكذا:
الكلام قديم.
ويقول ثاني القياسين هكذا: إن كلامه تعالى مؤلف من أجزاء مترتبة متعاقبة في الوجود، وكل مؤلف من أجزاء متعاقبة مترتبة، فهو حادث، وبالطبع إننا حيث