الصلح بين الطائفتين بمجموع الطائفتين، ولا يحصل امتثال هذا الواجب إذا أصلحوا بين الأفراد وإن كانوا كثيرين، وهذا المعنى لا يتم إلا عن طريق هذا النسق من العبارة فلذلك ثني في حال وجمع في حال آخر.
ومن ذلك أيضا ما وقع فيه الوهم في قوله تعالى في سورة الأنبياء وهي قوله تعالى: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * (1).
ووجه الاعتراض في هذه الآية الكريمة: مجئ الفعل مقرونا بضمير الجمع مع وجود الاسم الظاهر، في حين أن الفعل يجرد عن علامة التثنية والجمع إذا أسند إلى التثنية والجمع وكان الاسم الظاهر موجودا في الكلام.
ويجاب عن ذلك بوجوه:
أحدها: أن يكون * (الذين ظلموا) * جاء في ذلك على لغة من لغات العرب عرفت عند النحاة بلغة " أكلوني البراغيث " فتكون الواو علامة الجمع.
ثانيها: أن يكون مرفوعا على الفاعلية ل * (أسروا) * وأن الواو علامة الجمع.
ثالثها: أن يكون الفاعل هو الضمير وهو الواو، ويكون * (الذين ظلموا) * في محل النصب على الذم بأن يكون من الصفة المقطوعة.
وقد قرر بعض العلماء أن الغرض من ذلك هو إسناد الفعل إلى اللاعبين اللاهية قلوبهم فأسند إلى ضميرهم شرحا لذميم حالهم وتسجيلا عليهم بقبح تماديهم في الغي، ثم جاء بقوله: * (الذين ظلموا) * بدلا من الضمير أو منصوبا على الاختصاص والذم إعلاما بظلمهم في إسرارهم النجوى بجحد الرسالة بالذكر