لذلك نرى الغزالي قال في الإحياء (1): اعلم أن لك ثلاث مقامات في التصديق بأمثال هذا:
أحدها: وهو الأظهر والأصح، أن نصدق بأن الحية موجودة تلدغ الميت ولكنا لا نشاهد ذلك، فإن تلك العين لا تصلح لمشاهدة الأمور الملكوتية في كل ما يتعلق بعالم الآخرة، فهو من عالم الملكوت، أما ترى أن الصحابة كيف كانوا يؤمنون بنزول جبرئيل وما كانوا يشاهدونه ويؤمنون أنه يشاهده؟ فإن كنت لا تؤمن بهذا، فتصحيح الإيمان بالملائكة والوحي عليك أوجب، وإن آمنت به وجوزت أن يشاهد النبي ما لا تشاهده الأمة، فكيف لا يجوز هذا في الميت؟
المقام الثاني: أن تتذكر أمر النائم فإنه يرى في منامه حية تلدغه وهو يتألم بذلك حتى يرى في نومه أنه يصيح ويعرق جبينه، وقد ينزعج من مكانه، كل ذلك يدركه من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان، وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا ترى في حواليه حية والحية موجودة في حقه والعذاب حاصل، ولكنه في حقك غير مشاهد، وإن كان العذاب ألم اللدغ، فلا فرق بين حية تتخيل أو حية تشاهد.
المقام الثالث: إن الحية بنفسها لا تؤلم، بل الذي يلقاك منها هو السم، ثم السم ليس الألم، بل عذابك في الأثر الذي يحصل فيك من السم، فلو حصل ذلك من غير سم فكان ذلك العذاب قد توفر، وقد لا يمكن تعريف ذلك العذاب إلا بأن يضاف إلى السبب الذي يفضي إليه في العادة، والصفات المهلكات تنقلب مؤذيات ومؤلمات في النفس عند الموت فتكون آلامها كآلام لدغ الحيات من غير وجود الحيات.