هذا هو الجواب عن الاستدلال بالحديث الشريف.
أما الجواب عن النقض - بأن العمل بالقطع على حد العمل بالظن بأنه مظنة الاختلاف المنفي في قوله سبحانه: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (1) - فقد أجاب عنه سيدنا القاضي نور الله مرقده: إن الاختلاف الواقع في الأدلة القطعية إن وقع فهو قليل، وبخلافه الاختلاف الواقع بين الأمة في الأمور الظنية والناشئ عن العمل بالقياس كثير بحيث لا يعد ولا يحصى، والاستقراء شاهد على ذلك، والمنهي عنه هو الاختلاف الكثير، فكأنه (قدس سره) يريد أن يقول: إن المنهي عنه من الاختلاف غير شامل للاختلاف الواقع في الأدلة القطعية، لأنه اختلاف ليس بكثير والمنهي عنه هو الاختلاف الكثير.
هذا، ولكن لنا أن نقول: إن الاختلاف المنهي عنه في القرآن غير شامل للأدلة القطعية قليلا كان أم كثيرا، وهو في نفس الوقت شامل للاختلاف الواقع في الأدلة الظنية قليلا كان أم كثيرا، وذلك للفرق الواضح بين الاختلافين، ذلك أن الاختلاف في الأدلة القطعية - إن وقع - إنما هو اختلاف في المصداق والانطباق وليس باختلاف في نفس القاعدة الأساسية أو المفهوم العام، أما في الأدلة الظنية الناشئة عن العمل بالقياس فهو الاختلاف على النحو الثاني لا النحو الأول، كما ستراه.
مثال ذلك: لو جاء النص على أن الاستصحاب حجة مثلا، والمفروض أن النص معبر متنا وسندا، ولا شك فيه، فتكون هناك عندنا قاعدة أو مفهوم عام ميقنان مضبوطان ببركة هذا النص المنصوص، هو إبقاء ما كان على ما كان، وتسرية حال اليقين إلى حال الشك، أو عدم نقض الشك ليقين. هذه أو ما شئت من عبارات فالاختلاف الواقع بين العلماء في أجزائه عند الشك في المقتضى دون الشك في