وأما الخامس - وهو أنه أفرد في موضوع وجمع في آخر -: فجوابه: أن من لفظه لفظ الوحدة ومعناه معنى الجمع فما أتى مفردا جرى على اللفظ، وما أتى جمعا جرى على المعنى، وكلاهما عربي مطرد الاستعمال.
ومن ذلك ما وقع من الخلط والخبط في فهمه ما وقع في سورة المنافقين وهي قوله تعالى: * (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) * (1).
ووجه الاعتراض في هذه الآية الكريمة أن يقال - وقد قيل -: إنه كيف عطف * (أكن) * - وهو مجزوم - على أصدق - وهو منصوب -، والاتفاق بين حركات المعطوف والمعطوف عليه شئ لا يقبل النقاش.
ونجيب عنه: أولا: إن هذه الآية قرئت بنصب أكون، فعلى هذه القراءة لا جدال ولا نقاش.
ثانيا: إنه بناء على قراءة الجزم هو أن عطف الفعل المجزوم على الفعل المنصوب إذا كان محل ذلك الفعل المنصوب هو الجزم لكونه في المعنى واقعا موقع الجواب للشرط الموجود، شئ وارد بكثرة عند العرب، وله شواهد في الاستعمال، ومن هذا الباب قول خارجة بن الحجاج الأيادي:
قابلوني بليتكم لعلي * أصالحكم وأستدرج نويا وفي هذا كفاية لمن يقنع بالبراهين.
واعلم أن النحاة ذكروا أن من أنواع العطف نوعا يسمى عندهم بالعطف