الاجتهاد، فليس هو من الاجتهاد في قليل ولا كثير، ذلك أنه منه (صلى الله عليه وآله) عمل لم يعلم وجهه، فلعله لم يلتزم بتلك الحوادث - حيث التزم بها - لحكم شرعي شأنه شأن سائر الأحكام والتكاليف، فلعله كان عملا شخصيا ألزم به نفسه لمصلحة تقتضيها تخصيصات الوحي الإلهي بنفسه القدسية الكريمة، ولنفرض - جدلا - أن تلك الحوادث التزم بها التزامه بسائر الأحكام والتكاليف، فهذا أيضا لا يبرر لنا أن نزجه في صغريات الاجتهاد، فإن فعله (صلى الله عليه وآله) هو السنة، وقد عرفت أنها مصدر من مصادر التشريع. إذن فهذا منه تشريع لا اجتهاد، ثم ما يرد بعد ذلك عليه نسخ لذلك التشريع، فإن السنة تنسخ بالكتاب على الرأي الشهير.
وحيث إنك عرفت أن هذا - أعني منع تجويز الاجتهاد على النبي (صلى الله عليه وآله) - هو رأي الإمامية عامة فلنمتع الأسماع والأبصار بتشريفها وتشنيفها بما لهم من عبقات عطرات في كلمات خالدات تعميما للنفع وزيادة للفائدة لما في طواياها من بحوث وبحوث.
قال آية الله في العالمين جمال الملة والدين العلامة الحلي أعلى الله درجته في كتابه المسمى ب " التهذيب في علم الأصول " في بحث الاجتهاد.
الحق أنه (عليه السلام) لم يكن متعبدا بالاجتهاد لقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) * (1) ولأنه قادر على تحصيل العلم، فلا يجوز له العمل بالظن، ولأن مخالفه كافر، ومخالف المجتهد ليس بكافر، ولأنه كان يتوقف في الأحكام على الوحي، ولأن تجويز اجتهاده يفضي إلى تجويز اجتهاد جبرئيل (عليه السلام) فيندفع القطع بالوحي، احتج الشافعي بأن العمل بالاجتهاد أشق، ولقوله تعالى: * (عفا الله عنك) * (2)