أما السنة: فقد استدل منها بروايات عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يدل بعضها على الموضوع عن طريق المفهوم والملازمة، ذلك مثل الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في شأن زرارة، ومضمونها، أو لفظها: هذا: " إني أحب أن أرى في أصحابي مثلك من يفتي الناس " (1) ولا ريب أن محبة الإمام (عليه السلام) لإفتائه أو إفتاء أمثاله تدل بالملازمة العرفية على وجوب اتباعه، وإلا لغيت هذه المحبة، أو لغي هذا الافتاء، ولعل في الاستدلال بهذه الآية نظرا لا يحتمله اختصار هذا الكتاب.
ومن تلك الروايات الواردة في المقام الرواية الواردة عن حادي عشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه أزكى التحية وأسنى السلام، وهذه هي الرواية الشريفة: " وأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه ". (2) هذا شئ أو بعض شئ من الروايات الواردة في المقام، الدالة على وجوب التقليد، أو جوازه عن طريق الصراحة، أو طريق الملازمة، وفي قليلها - ولا يقال له قليل - ما يغني عن الكثير، فلنأخذ بالدليل الآخر وهو:
الثالث من الأدلة: وهو الاجماع.
ادعى جماعة من علمائنا المحققين الاجماع على وجوب التقليد أو جوازه، فلا عبرة إذن، بخلاف معتزلة بغداد حيث حكي عنهم أنهم قالوا: لا يجوز للمكلف أن يقلد المفتي ويرجع إلى فتياه، وإنما ينبغي أن يرجع إليه لينبهه على طريقة العلم بالحادثة وأن تقليده محرم على كل حال، ولم يفرقوا في ذلك بين الفروع والأصول،