ومن ذلك ما وقع الغلط فيه في فهم قوله تعالى في سورة الدهر، وهي قوله سبحانه: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * (1).
اعترض المعترضون هنا - جهلا بحقيقة الحال - أن الاستفهام هاهنا إن قصد به الانكار، كان خلاف المقصود من الآية في سوق إيجاب هذا المعنى لا سلبه، وإن قصد بها الإثبات على أن تكون (هل) بمعنى (قد) - كما ادعاه بعض المفسرين - فليس هناك شاهد من كلام العرب يثبت مجئ (هل) بمعنى (قد).
والجواب عنه: هو ان المقرر عند علماء العربية هو أن الاستفهام حقيقته طلب الفهم، ولكنه يخرج من هذا المعنى إلى معان اخر يكون الاستفهام فيها على سبيل المجاز، وأنهيت تلك المعاني إلى ثمانية، وإنما يحمل عليها الاستفهام إذا تعذر حمله على الحقيقة، ولا يحمل على أحد تلك المعاني على التعيين إلا أن تقوم القرينة عليه، فمن تلك المعاني: التقرير. ومن تلك المعاني: التوبيخ. ومنها: الانكار.
فحينئذ نقول: حيث إنه يتعذر في الآية حملها على الاستفهام الحقيقي - لأن الاستفهام الحقيقي طلب الفهم، وطلب الفهم إنما يكون من الجاهل بحقيقة المستفهم منه، ويتعالى الله سبحانه عن ذلك علوا كبيرا - فلا يحمل الاستفهام الوارد في كلامه سبحانه على حقيقة، فلا بد من حمله على أحد المعاني المجازية المذكورة، وحيث نعرف هذا فلنعرف أي معنى من تلك المعاني المجازية يحمل عليه الاستفهام في المقام؟ لا شك أنه لا يحمل على الانكار أو اللوم لأنه خلاف مؤدى معنى الآية الكريمة، فالقرينة للقيامية تستدعي حمله على التقرير، ومعناه الإثبات بطريق الاحتجاج على هذا الأسلوب، وللاستفهام في المقام مزية ذوقية يخلو الكلام منها إذا أتى به على طريق الإثبات، ولذلك شاهد من كلام العرب قوي