الذي رد به على العلامة الحلي رفع الله درجته - عن النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم من أنه لا يلزم من كون الشئ رحمة أن يكون ضده عذابا، ولا يذكره إلا جاهل أو متجاهل، وقد قال الله: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) * (1) فسمى الليل رحمة، ولم يلزم من ذلك أن يكون النهار عذابا، وهو ظاهر لا شك فيه. (2) نقل السيد القاضي هذا عن النووي، ورده بأن فساد هذا التأويل ظاهر، لأن الضد عند الحكماء موجود معاقب وجود آخر في الموضوع، وعند المتكلمين معنيان يستحيل اجتماعهما في محل واحد، فالاختلاف في مسألة، لا يضاد الاتفاق في مسألة، أخرى، وكذا انصباغ جزء من امتداد الزمان بسواد الليل لا يضاد انصباغ جزء آخر منه ببياض النهار.
والحاصل: أن وحدة الموضوع والمحل شرط في تحقق التضاد، فمراد من قال: إنه يلزم من كون الاختلاف رحمة أن يكون الاتفاق عذابا، ليس انه إذا كان الاختلاف في مسألة رحمة، يلزم أن يكون الاتفاق في مسألة أخرى عذابا حتى يتأتى المنع والتجهيل الذي أتى به هذا الشيخ الجاهل، بل مراده أنه إذا كان الاختلاف في أمر رحمة يلزم أن يكون وقوع الاتفاق فيه عذابا، وذلك كذلك، وإذا كان الليل رحمة يلزم أن يكون وقوع النهار موقعه عذابا لاستلزامه فوات المطالب التي يطلب فيها الاستتار عن أعين الناس، إلى غير ذلك من المقاصد التي لا تتمشى إلا في الليل. نعم، وقوع النهار في محل آخر من أجزاء الزمان ليس بعذاب، فيوم استتاره بحال الليل ليل أليل أعده له جهله. انتهى كريم كلامه زيد في علو مقامه.