ومثل الذي يعظ الكفار أو يدعوهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.
أجيب عن هذه الآية الكريمة بوجوه أنهاها سيدنا علم الهدى الشريف المرتضى رضوان الله عليه في كتابه " الغرر والدرر " المشهور ب " الأمالي " (1) إلى خمسة وجوه:
أولها: أن يكون المعنى: مثل واعظ الذين كفروا والداعي لهم إلى الإيمان والطاعة، كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم وهي لا تعقل معنى دعائه وإنما تسمع صوته ولا تفهم غرضه، والذين كفروا بهذه الصفة لأنهم يسمعون وعظ النبي وإنذاره فينصرفون عن قبول ذلك، ويعرضون عن تأمله، فيكونون بمنزلة من لم يعقل ولم يفهم، لاشتراكهما في عدم الانتفاع.
هذا الوجه الأول من الوجوه التي ذكرها سيدنا المرتضى (قدس سره)، ويظهر منه (قدس سره) أنه ارتضاه، وقد ارتضاه أيضا جملة من المفسرين، لكن شيخنا المجاهد الحجة البلاغي (قدس سره) لم يرتضه في " هداه " حيث قال (قدس سره) في الكتاب المذكور من جملة ما قال:
حاشا الله وبلاغة القرآن أن يصف وعظ الواعظ الهادي وإرشاده الشافي بالنعيق المهمل، ويعيب إرشاده بعيب غيره، بل حاشا كل من يعرف مواقع الكلام عن ذلك، هب ذلك ولكن المثل الشريف حينئذ يخطئ مرماه، ويلغو معناه، فإن الناعق بالأنعام طالما ينجح بنعيقه بها ويندر أن لا تجيبه بإقبالها وانزجارها وإن كان نعيقه مهملا، وأين ذلك من خيبة واعظ الكفار الذين جروا على ما ألفوا عليه آباءهم؟
وأنت ترى أن للشيخ المجاهد على هذا الوجه ملحوظتين من النظر:
إحداهما: الإرباء والتنزيه لشأن الواعظ أن يشبه بالناعق ووعظه بالنعيق، فاعتبر