سايرت هذا الزمن وجرت مع هذه الحياة حتى كشفت ما كشفت من أسرار وشؤون، والزمن غير محدد والعلم غير محدود فقد يرينا الزمن - وكم أرانا من عجائب - عجائب في الآية لم يصلها الزمن فيما وصله إليه من عجائب المعارف والفنون.
وهاهنا يتجلى لنا السر أو بعض السر أو حكمة التعبير القرآني في أن يأتي بالألفاظ المستجيبة لكل تفسير، المستلينة لكل تعبير، المؤاتية لكل عصر ومصر، المسايرة لمختلف المعارف والعلوم، فما هبط القرآن ليكون قرآن أمة واحدة ولا كتاب عصر معين، بل هو كتاب العصور في مختلف العصور وقرآن أمم من يومه إلى يومنا إلى يوم الدين، وهكذا كان وهكذا ينبغي أن يكون.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) * (1).
نزلت هذه الآية الكريمة في شأن قصة عبد الله بن جحش وسريته حيث غنموا عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه قتلوا وأسروا اثنين، وكان ذلك غرة رجب، وقد حصل الشك في أنه أول رجب أو آخر جمادى الآخرة، فهناك تساءل الناس، تسأل قريش عن ذلك سؤال تبكيت وانتقام، وتسأل الصحابة سؤال استطلاع واستفهام: هل يحل القتال في الشهر الحرام؟ فكان الجواب عن ذلك يتضمن الاعتراف بحرمة الشهر الحرام وتقديسه وكرامته وإكرامه وصيانته عن أن يقع فيه القتل والقتال، اللهم إلا على بعض الوجوه ولبعض الأسباب، وتلك هي الحكمة التي تنطوي خلالها حكم وأسرار، تلك هي التي أبانها بقوله سبحانه: * (قل قتال فيه