هذا الدليل بهذا البيان: هو أن الطريق إلى معرفة الأحكام لا تخلو عن أحد أحوال ثلاث ولا رابع لتلك الأحوال، وهي: الاجتهاد، والاحتياط، والتقليد.
لا ريب في أن الاجتهاد متعذر أو متعسر إن أوجبناه على الناس كافة، وقد عرفت فيما سلف كيف يكون التعذر أو التعسر في شأن الاجتهاد وتحصيله، فليس هو بالهين اليسير، غض النظر عن شأن الاجتهاد وما فيه، وحوله إلى الاحتياط وما فيه، تجد فيه العسر والحرج المنفيين في الشريعة الاسلامية كتابا وسنة، فما هو، وليس هو إذن إلا التقليد، فهذا دليل جواز أو وجوب التقليد عن طريق العقل على الاجمال، وبهذا تتم الأدلة الأربعة في المقام، ولنطو صفحا عما هنا وهناك من كلام ونقض وإبرام.
نعم، أضاف إلى هذه الأدلة بعض المحققين من العلماء دليلا آخر هو في نظره الدليل الوحيد لما في سواه من نقاش وحساب، ذلك هو دليل البداهة والفطرة، ذلك أن التقليد في واقع حقه وحقيقته الواقعية ليس إلا رجوع الجهلاء فيما يجهلون إلى العلماء فيما يعلمون، وهذا حكم الفطرة والبداهة في كل شأن لا في شأن الشرع والشرعيات خاصة، فهو حكم الفطرة والبداهة قبل أن يكون حكم العقل والعقلاء وحكم الشرع والمتشرعين، هذا هو الدليل الوحيد في نظر مستدليه، ذلك لعجز الأدلة الاخر عن الوفاء بإثبات هذا الجواز أو الوجوب، والمقلد في حيرة واضطراب في شأن تقليده لولا هذا الدليل، وإلا فإما أن يثبت عن طريق الكتاب والسنة - ومفروض الحال أنه عاجز عما فيها من الدليل وكيفية الاستدلال - وإما أن يثبته عن طريق التقليد بأن يقلد في جواز التقليد، فهذا التقليد ثبوته يحتاج إلى تقليد آخر، فإما أن يتسلسل الأمر، أو يدور، وكلا الأمرين في البطلان سواء بسواء.
أشكل عليه بعض المحققين أن التقليد لو كان دليله الفطرة والبداهة كان ذلك