هذه الناحية، فنقول:
إن الاستدلال على صحة المقدمة الأولى - أعني صغرى القياس - تبين لك منه شئ أو بعض شئ من قبل، وسيزداد لك وضوحا من بعد، والآن نملي عليك ما تتجلى لك به حقيقة الحال بكل وضوح:
اعلم أن " الحجة التصديقية " - المقررة عند المنطقيين - ثلاثة أقسام: القياس، والاستقراء، والتمثيل، ذلك أن الاستدلال بالحجة إما أن يكون من حال الكلي على حال جزئياته - ومعناه ترتب الحكم: أولا: على المعنى العام، ثم منه ينسحب الحكم إلى الأفراد والأشخاص بالتبع. ثانيا: وبالعرض، وهذا يسمى ب " القياس " وللقياس عند المنطقيين بحث واسع الأطراف في متسع الجهات.
وإما أن يكون من حال الجزئيات على حال كليها، وهو هذا يسمى ب " الاستقراء " وقسم إلى: تام، وهو ما يصفح فيه حال جميع الجزئيات، وهذا عندهم ليس استقراء على الحقيقة، بل هو عندهم يسمى ب " القياس المقسم " فهو من هذا موضوعا أو يرجع حكما ومآلا إليه، وذلك كما يمثلونه في قولهم: كل حيوان إما ناطق أو غير ناطق، وكل ناطق من الحيوان حساس، وكل غير ناطق من الحيوان حساس، تكون النتيجة عندهم - بعد حذف المتكرر -: كل حيوان حساس.
هذا هو الاستقراء التام أو القياس المقسم، وهو عند المنطقيين يفيد اليقين.
أما الاستقراء الناقص فهو تتبع أكثر الجزئيات - لا كلها - لإثبات حكم الكلي أو حكم كلي، كما يمثلونه بقولهم: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، جاءوا بهذا الحكم الكلي أو حكموا به على الكلي، لأنهم وجدوا أن الأكثر من أفراد الحيوان محكوم بهذا الحكم، مثل: الانسان والفرس والحمار، إلى غير ذلك مما صادفوه من