فانطلق بها إلى غيضة وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر فلما مات الرجل وكبر الولد كان بارا بأمه، يقسم ليله ثلاثة أقسام: يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا. وفي النهار يحتطب فيتصدق بالثلث، ويأكل الثلث، ويعطي أمه الثلث. فقالت له أمه يوما: يا بني انطلق إلى غيضة كذا ففيها العجلة التي تركها لك أبوك، وأفهمته علاماتها. فلما ذهب إلى الغيضة عرفها وقادها ورجع إلى أمه. فقالت له: بع البقرة في السوق بثلاثة دنانير على شرط أن تشاورني. فذهب إلى السوق، فأعطي أكثر من ثلاثة فلم يرض إلا باستشارة أمه، وقال لطالبها لو أعطيتني ملء جلدها ذهبا لم أبعها إلا بإذن أمي. فلما رجع إلى أمه قالت لا تبع هذه البقرة فسيكون لها شأن.
واتفق أنه كان رجل من خيار بني إسرائيل وعلمائهم، خطب امرأة منهم فأجابت، وخطبها ابن عم لذلك الرجل (كان فاسقا رديا) فلم تقبل، فحسد ابن عمه الذي أجابوه فقعد له في الطريق فقتله غيلة، ثم حمله إلى موسى (عليه السلام) فقال يا نبي الله هذا ابن عمي قد قتل ولا أدري من قتله وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى (عليه السلام) فاجتمع إليه بنو إسرائيل وبكوا وضجوا، وقالوا ما ترى يا نبي الله. قال لهم موسى (عليه السلام): إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
فتعجبوا وقالوا أتتخذنا هزوا نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة. فقال لهم موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. فعلموا أنهم قد أخطأوا. فقالوا " ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ". قال: إنه يقول: " إنها بقرة لا فارض ولا بكر " (أي لا مسنة ولا فتية) فقالوا: " ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ".
قال: إنه يقول إنها صفراء فاقع لونها (أي شديدة الصفرة) تسر الناظرين ". قالوا: " ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا