إن لم نقل: إنه لا يزال حتى الآن أفضل وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والرأي، حينما يفترض فيها أن تكون من مصدر واحد، وتخدم هدفا واحدا في جميع مراحل الحياة، مع الشعور بالقدسية، والارتباط بالله تعالى.
وهكذا فإن ذلك من شأنه أن يبعد المجتمع المسلم عن الصراعات الفكرية، التي تنشأ عن عدم وجود وحدة موضوعية للثقافة التي يتلقاها أفراده كل على حدة، فتتخالف المفاهيم والأفكار والمستويات، وتزيد الفجوات إتساعا باستمرار، حتى يظهر نتيجة لذلك عدم الانسجام في وضوح الهدف، وفي المشاعر، وفي الاندفاع نحوه، مما يؤثر تأثيرا كبيرا على مسيرة الوصول إليه، والحصول عليه.
وبهذا يتضح: أن المدرسة التي نعرفها اليوم إذا كانت لا تعطي إلا المفاهيم الجافة، والأفكار البعيدة عن واقع الانسان، والتي لا تنسجم مع احتياجاته، ولا مع تكوينه النفسي والفكري وغير ذلك، بالإضافة إلى عدم الشعور فيها بالله سبحانه وتعالى، أو الخضوع له. فإن هذه المدرسة لن تكون هي الوسيلة المنشودة، بل يكون المسجد هو الأفضل والأمثل حسبما أوضحناه، لا سيما وأنها لن تكون قادرة على ملء الفراغ العقائدي والفكري له، حيث يبقى عرضة للتيارات والأهواء، وفي متناول أيدي المتاجرين بالشعوب عن طريق وسائل الاعلام الهدامة التي يملكونها.
وأما استعمال وسائل الاعلام في عملية الاعداد والتربية، فإنها بالإضافة إلى ما تقدم، تجعل الانسان انطوائيا ومحدودا يفكر تفكيرا شخصيا بشكل عام، وتقلل فيه إحساسه بالحاجة إلى الآخرين، وإلى الارتباط بهم، ولا تسهل عليه محبتهم ومودتهم.
وخلاصة الأمر: إن العمل الاجتماعي عبادة، والجهاد عبادة، والعمل السياسي حتى استقبال الوفود، وتدبير أمور المسلمين عبادة أيضا.
وهكذا يقال في علاقات المؤمنين بعضهم ببعض، وتزاورهم وحضورهم