وذلك لأن المسلمين كانوا فئتين: مهاجرين وأنصارا. وتختلف ظروف كل من الفئتين، وأوضاعها النفسية، والمعنوية، والمعيشية، وغير ذلك عن الفئة الأخرى.
والمهاجرون أيضا كانوا من قبائل شتى، ومستويات مختلفة:
فكريا، واجتماعيا، ماديا، ومعنويا، كما ويختلفون في طموحاتهم، وتطلعاتهم، وفي مشاعرهم، وفي علاقاتهم، ثم في نظرة الناس إليهم، ومواقفهم منهم، وتعاملهم معهم، إلى غير ذلك من وجوه التباين والاختلاف. وقد ترك الجميع أوطانهم وأصبحوا بلا أموال، وبلا مسكن، إلى غير ذلك مما هو معلوم. وكذلك الأنصار، فأنهم أيضا كانوا فئتين متنافستين، لم تزل الحرب بينهما قائمة على ساق وقدم إلى عهد قريب.
وقد أراد الاسلام أن ينصهر الجميع في بوتقة الاسلام ليصبحوا كالجسد الواحد، في توادهم وفي تراحمهم وتعاونهم، وغير ذلك، وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم، وحركتهم، ومواقفهم، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى إعداد وتربية نفسية، وخلقية، وفكرية لكل هذه الفئات، لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض، ولتكون في مستوى المسؤولية، التي يؤهلها لها في عملية بناء للمجتمع المتكافل المتماسك الذي هو نواة الأمة الواحدة التي لها رب واحد وهدف واحد، ومصير واحد.
وليصبح هذا المجتمع قادرا على تحمل مسؤولية حماية الرسالة، والدفاع عنها، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدي اليهود في المدينة، والعرب والمشركين، بل والعالم بأسره، لابد أن تنصهر كل الطاقات والقدرات الفكرية والمادية وغيرها لهذا المجتمع في سبيل خدمة الهدف:
الرسالة فقط.
والمسجد هو الذي يمكن فيه تحقيق كل ذلك، إذ لم يكن مجرد محل للعبادة فقط ولا غير. بل كان هو الوسيلة الفضلي للتثقيف الفكري،