أي أنهم كانوا يجحدون بما جاءهم به، إما زعما منهم: أن في ذلك حفاظا على مصالحهم الشخصية ومستقبلهم، وإما تقليدا أعمى للضالين من آبائهم وأجدادهم، وإما حفاظا على امتيازاتهم، أو حسدا، أو غير ذلك.
وإن ابقاء علي " عليه السلام " في مكة ليؤدي للناس أماناتهم وودائعهم، في ظروف حساسة، وخطيرة جدا كهذه الظروف، لهو من أروع الأمثلة للانسان الكامل، الذي يلتزم بمبادئه، ويحترم قناعاته، ولا يحيد عما رسمه الله له قيد شعرة، ولا يبحث عن المعذرات والفرص، وإنما هو يعيش من أجل مبادئه العليا، وتحقيق أهدافها. ولا يعتبر المبدأ وسيلة لتحقيق مآربه وأهدافه.
نعم لقد كان " صلى الله عليه وآله وسلم " أمينا عندهم، وسموه ب " الأمين ". وكان ذلك من أبرز صفاته الشخصية حتى قبل نبوته. وها هو يؤدي إليهم أماناتهم، مع أنهم يريدون نفسه ودمه، ومحو كل آثاره من الوجود، وتشويه كل ما يرتبط به. ولكن ذلك لا يحول بينه وبين أن يهتم بأمانات الناس، برهم وفاجرهم. وقد كان له كل العذر لو أنه لم يردها عليهم.
وبالمناسبة فإننا نعطي بعض المحققين الحق في أن يتعجب أو يستغرب، كيف لا يرى أحاديث عامة أهل السنة تهتم بهذه الصفة العظيمة، صفة الأمانة التي هي أساس إنسانية الانسان.
ولكن لا عجب من ذلك ولا غرابة فيه، فإن أحاديث " الحكمة " قد محيت أيضا وذهبت منذ توفي " صلى الله عليه وآله وسلم " بعناية وتعمد تام من قبل الخلفاء الحكام، وإلا فأين هذا الامر الذي يخبر الله في أكثر من سبع آيات: أنه كان من جملة مهمات ووظائف النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " في أيام رسالته: (يعلمهم الكتاب والحكمة). فقد عرفنا:
أنه " صلى الله عليه وآله وسلم " قد علم الناس الكتاب، وقد بقي هذا