أخيه عبد الله بن بشير قال امرني المأمون ان أطول أظفاري على العادة ولا أظهر لاحد ذلك ففعلت ثم استدعاني فاخرج لي شيئا يشبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا ليديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا ع فقال ما خبرك قال له أرجو ان أكون صالحا قال له وانا اليوم بحمد الله صالح فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم قال لا فغضب المأمون وصاح على غلمانه وقال للرضا فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه ثم دعاني فقال ائتنا برمان فاتيته به فقال لي اعصره بيديك ففعلت وسقاه المأمون الرضا بيديه فشربه فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث الا يومين حتى مات ع قال محمد بن علي بن حمزة عن أبي الصلت الهروي قال دخلت على الرضا ع وقد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها أي سقوني السم وجعل يوحد الله ويمجده قال محمد بن علي وسمعت محمد بن الجهم يقول كان الرضا ع يعجبه العنب فاخذ له منه شئ فجعل في مواضع اقماعه الإبر أياما ثم نزعت منه وجئ به إليه فاكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله وذكر ان ذلك من لطيف السموم.
قال علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة: قد ذكر المفيد شيئا ما يقبله نقدي ولعلي وأهم وهو ان الامام ع كان يعيب ابني سهل عند المأمون ويقبح ذكرهما إلى غير ذلك وما كان أشغله بأمور دينه وآخرته واشتغاله بالله عن مثل ذلك وعلى رأي المفيد رحمه الله ان الدولة المذكورة من أصلها فاسدة وعلى غير قاعدة مرضية فاهتمامه ع بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه ثم إن نصيحته للمأمون واشارته عليه بما ينفعه في دينه لا يوجب ان يكون سببا لقتله وموجبا لركوب هذا الامر العظيم منه وقد كان يكفي في هذا الامر ان يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه ثم إنا لا نعرف ان الإبر إذا غرست في العنب صار العنب مسموما ولا يشهد به القياس الطبي والله تعالى اعلم بحال الجميع واليه المصير وعند الله تجتمع الخصوم. قال: ورأيت في كتاب يعرف بكتاب النديم لم يحضرني عند جمع هذا الكتاب: ان جماعة من بني العباس كتبوا إلى المأمون يسفهون رأيه في تولية الرضا ع العهد بعده واخراجه عنهم إلى بني علي ع ويبالغون في تخطئته وسوء رأيه فكتب إليهم جوابا غليظا سبهم فيه ونال من اعراضهم وقال فيهم القبائح وقال من جملة ما قال وبقي على خاطري أنتم نطف السكارى في أرحام القيان إلى غير ذلك وذكر الرضا ع ونبه على فضله وشرف نفسه وبيته وهذا وأمثاله مما ينفي عن المأمون الاقدام على إزهاق تلك النفس الطاهرة والسعي فيما يوجب خسران الدنيا والآخرة والله أعلم.
قال المجلسي في البحار: رد الأربلي في كشف الغمة ما ذكره المفيد بوجوه سخيفة ثم قال بعد نقل كلامه ولا يخفى وهنه إذ الوقيعة في ابني سهل لم تكن للدنيا حتى يمنعه عنها الاشتغال بعبادة الله تعالى بل كان ذلك لما وجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن وكون خلافة المأمون فاسدة لا يمنع منه كما نصح غيره للمسلمين في الغزوات والحروب ثم إنه ظاهر ان نصيحة الأشقياء ووعظهم بمحضر الناس لا سيما المدعين للفضل والخلافة مما يثير حقدهم وحسدهم وغيظهم. أقول واما ان الإبر إذا غرست في العنب لا يصير مسموما ولا يقتضيه القياس الطبي فالظاهر من الخبر ان تلك الإبر كانت مسمومة بسم من لطيف السموم لا ان مجرد وضعها في العنب اثر سما. قال سبط بن الجوزي عن كتاب الأوراق لأبي بكر الصولي: وقيل إنه دخل الحمام ثم خرج فقدم إليه طبق فيه عنب مسموم قد أدخلت فيه الإبر المسمومة من غير أن يظهر اثرها فاكله فمات اه مع أن الخبر الآخر دال على سمه في الرمان. واما ما ذكره سبط بن الجوزي في الاستدلال على عدم سم المأمون له من أنه توجع له وأظهر الحزن عليه الخ فليس ببعيد من دهاء المأمون ليرفع عن نفسه تهمة قتله التي كانت قد شاعت في ذلك الوقت مع أن التوجع له واظهار الحزن عليه سببه معرفته بفضله لا ينافي وقوع القتل الذي سببه خوف ذهاب الملك من يده.
قال المؤلف: فيكون قد سمه المأمون في أثناء علته. والذي يقتضيه ظاهر الحال ان المأمون لما رأى اختلال أمر السلطنة عليه ببيعة أهل بغداد لإبراهيم بن المهدي وكان سبب ذلك بيعته للرضا بولاية العهد وكان الناس ينسبون ذلك إلى الفضل بن سهل وكان الفضل يخفي اضطراب المملكة عن المأمون خوفا من هذه النسبة ولأغراض أخر سواء كانت النسبة صحيحة أو باطلة فخاف المأمون ذهاب الملك من يده ورأى أنه لا يكف عنه سوء رأي الناقمين فيه الا قتل الفضل والرضا فبعث إلى الفضل من قتله في حمام سرخس ودس السم إلى الرضا فقتله. وسواء قلنا إن بيعة المأمون للرضا كانت من أول امرها على وجه الحيلة كما مر عن المجلسي أو قلنا إنها كانت عن حسن نية لا يستبعد منه سم الرضا فان النيات يطرأ عليها ما يغيرها من خوف ذهاب الملك الذي قتل الملوك أبناءهم وإخوانهم لأجله والسبب الذي دعا المأمون إلى قتل الفضل هو الذي دعاه إلى سم الرضا فقتله للفضل الذي لا شك فيه يرفع الاستبعاد عن سمه الرضا بعد ورود الروايات به ونقل المؤرخين له واشتهاره حتى ذكرته الشعراء قال أبو فراس الحمداني:
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وابصروا بعض يوم رشدهم فعموا عصابة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا وقال دعبل في رثاء الرضا ع:
شككت فما أدري أ مسقي شربة * فأبكيك أم ريب الردى فيهون أيا عجبا منهم يسمونك الرضا * وتلقاك منهم كلحة وغضون وقوله شككت وإن كان ظاهره عدم العلم الا ان قوله وتلقاك منهم كلحة وغضون كالمحقق لذلك. وغضون الجبهة ما يحدث فيها عند العبوس الطي.
قال المفيد ونحوه قال أبو الفرج: لما توفي الرضا ع كتم المأمون موته يوما وليلة ثم انفذ إلى محمد بن جعفر الصادق ع وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح البدن وقال يعز علي يا أخي ان أراك في هذه الحال قد كنت أؤمل ان أقدم قبلك فابى الله الا ما أراد ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه. والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سنا آباد على دعوة من نوقان بأرض طوس وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن ع بين يديه في قبلته.
وروى الصدوق في العيون بسنده في حديث: ان آخر ما تكلم به الرضا ع: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وكان أمر الله قدرا مقدورا.
وانه شق لحد الرشيد فدفنه معه وقال نرجو ان ينفعه الله تبارك وتعالى بقربه.
بعض مراثي الرضا ع في المناقب قال دعبل بن علي يرثيه: