والانفصال يصدق حتما بان الفردوسي لا نظير له في إبداع الأساليب وحسن التراكيب ومعرفة مواقع الفصل والوصل والابتداء والختم والاستطراد وارسال الأمثال ودقة التشبيه والاستعارة ومراعاة مقتضيات الأحوال.
كان الفردوسي مطلعا على الأخبار والأحاديث الاسلامية وفي كثير من الأمكنة تجد ترجمتها في الشاهنامة وأما انه كان عارفا بالعلوم البرهانية من الفلسفة والرياضي فغير قابل للتشكيك لأنه مع قطع النظر عن الاستدلالات المحكمة التي في الشاهنامة التي لا يقدر على ايجادها الا من تمكن في معرفة البرهانيات، فيها من قوانين الإلهي والطبيعي شئ كثير.
الفردوسي كان طاهر الأخلاق عفيف النفس لم يدنس شعره بألفاظ قبيحة كما يجري لبعض الشعراء وإذا اضطر إلى ذلك يأتي به بطريق الكناية عدوا للجفاء والشدة واراقة الدماء. وكان محبا لوطنه ومواطنيه اه.
أقوال شعراء الفرس فيه قال الأنوري الشاعر الفارسي فيما حكي عنه ما ترجمته: مرحبا بمشاعر الفردوسي في مقامه النوراني الرفيع فما كان الفردوسي أستاذا ونحن تلاميذه بل كان اله الشعر ونحن عبيده. ويقول ابن اليمني: ان الطابع الذي نقشه الفردوسي على دنانير الكلام لم يتح لشاعر فارسي انه كلام هبط من الثريا إلى الثرى فاصعد الفردوسي ورفعه من الثرى إلى الثريا.
ويقول النظامي: الفردوسي هو الشاعر التاريخي والعالم الطوسي هو الذي زين بالشعر وجه الكلام كما زين بالحلي وجه العروس. وقال السعدي: ما أجمل أقوال الفردوسي الطاهر الأصل فلتهبط شآبيب الرحمة على ترابه الطاهر.
مؤلفاته 1 الشاهنامة المشهورة وهي شعر بالفارسية. 2 كتاب يوسف وزليخا وهو شعر فارسي أيضا.
الكلام على الشاهنامة في كتاب سخن وسخنوران: المعروف ان الفردوسي نظم الشاهنامة في زمان سلطنة السلطان محمود الغزنوي وبامره سنة 389 421 فبقي في نظمها زيادة عن ثلاثين سنة ولكن هذا القول غلط لأن الشاهنامة بتصريح الفردوسي نفسه تمت سنة 400 حيث يقول:
ز هجرت شده پنج هشتاد بار كمه گفتم من أين نامه شاهوار أي تمت بضرب خمسة في ثمانين من الهجرة وهذه السنة هي الثانية عشرة من سلطنة محمود وكونه بقي في نظمها ثلاثين سنة ثابت بنص الفردوسي فعليه لم يكن نظم الشاهنامة بأمر محمود بل إنه نظم القسم المهم منها في زمان السامانيين ويحتمل قويا انه ابتدأ بنظمها سنة 367 وعلى اليقين انه لم يتأخر عن سنة 371 وعلى كل حال فالفردوسي بعد سنة 367 كان في صدد تحصيل نسخة الشاهنامة المنثورة تاليف أبو منصور محمد بن عبد الرزاق من امراء خراسان وشرع في نظمها ولكنه لم يتمها بسبب الانقلاب الذي حصل في خراسان بقتل أبي الحسين عبيد الله بن أحمد العتبي وزير نوح بن منصور الساماني سنة 371 وعزل حسام الدولة أبو العباس تاش من قواد خراسان ولموانع أخر وأخيرا أعطاه بعض أصدقائه من أهل بلده نسخة من الشاهنامة المنثورة ورغبه في نظمها فشرع في ذلك (1) فنظم منها نسخة مختصرة تمت سنة 384 وفي هذه السنة ذهب إلى العراق والتقى بموفق الدين وزير بهاء الدولة الديلمي ونظم له كتاب يوسف وزليخا ثم عاد إلى خراسان واشتغل جديدا بنظم الشاهنامة وجعلها باسم محمود الغزنوي وهذه تمت سنة 400 فذهب في هذه السنة إلى غزنة مع جماعة لتقديمها إلى اعتاب السلطان وكان يأمل بواسطة نظم هذه الشاهنامة الكبيرة وما لاقاه في سبيل نظمها ان يحصل من السلطان على جائزة عظيمة تغنيه مدة حياته مع تجهيز ابنته وسد خزان طوس ولكن السلطان لم يتوجه له أما بسبب الوشاية به بأنه قرمطي أو شيعي أو معتزلي أو غير ذلك فتوارى وذهب من غزنة إلى هراة بطريق اندراب منهزما وبقي في هراة ستة أشهر مختفيا في دكان إسماعيل الوراق والد الأزرقي الشاعر وعلى بعض الروايات انه ذهب إلى طوس ووضع نسخة الشاهنامة عند أسبهبد طبرستان وأراد ان يجعلها باسمه وهجا محمودا بمائة بيت اشتراها منه اسبهبد بمائة ألف درهم ثم رجع إلى طوس ولم يستفد من عناء ثلاثين سنة اه.
وقيل إنه أراد تتميم الشاهنامة التي بدأها الدقيقي ونظم منها ألف بيت والظاهر أنه شرع في ذلك في عهد السامانيين ونظرا لأن السلطان محمودا كان محبا للعلم والأدب توجه إليه لتتميم مقصده واتصل بالعنصري والفرخي والعسجدي الذين كانوا من مقدمي الشعراء في عصره ومن خواص شعراء السلطان فبعد ما رآه وعلم بمقصده من تمام الشاهنامة هيا له محلا خاصا وتكفل بمؤونته وعين له خدما وزين بيته بصور الأبطال والملوك والأسلحة حسب طلبه حتى أتم الشاهنامة وكان نظره من جائزة السلطان محمود على الشاهنامة تجهيز بنته ومد خزان طوس وجائزة تكون مددا له في شيخوخته فوعده ان يكافئه بستين ألف دينار ولكنه عملا بمشورة بعض المغرضين بدل الدنانير بالدراهم فغضب الفردوسي من ذلك وقسم الأموال بين حمامي وبائع شراب واعطى قسما منها لحاملها ثم هجا السلطان محمودا هجاء مرا متضمنا التحذير من الايذاء والاغترار بالدنيا ثم هرب من غزنة وأتى هراة وقيل رجع إلى طوس ويقال ان الشاه محمودا ندم على ما فعل بنصيحة ناصر لك أحد الحكام في ذلك الوقت حيث بعث إليه كتابا يعظه فيه وينصحه ويذكر له فناء الدنيا وبقاء الذكر الحسن ويذكره بتعب ثلاثين سنة للفردوسي وما كان يؤمله منه فندم السلطان وأمر بستين ألف دينار للفردوسي ولكن حينما كانت الدنانير تدخل باب بيته كانوا يخرجون جنازته من باب آخر اه وفي كتاب سخن وسخنوران ما تعريبه: الشاهنامة على القول المعروف وبنص الفردوسي ستون ألف بيت وفعلا تشتمل على خمسين ألف بيت هي أحسن المنظومات الفارسية ومن المقطوع به ان ربعها من الشعر العالي وربعها من الشعر الجيد وباقيها من الشعر المتوسط.
الشاهنامة اليوم من خزائن اللغة الفارسية وكنوز فصاحتها وهذا الكتاب أقوى دليل على وسعة وقوة فكر ناظمه وقدرته على البيان واستقامة طبعه واقتداره على الكلام واحاطته بالتعبير ومن هنا يعلم قدر ما عنده من الاطلاع على الوقائع وما عنده من سعة الفكر وانه كان عنده من ذلك مادة غزيرة حتى قدر ان يظهر تلك المعاني الصعبة بتلك العبارات الجميلة.