مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٣٩
لدى طائفة البهرة الإسماعيلية، هذا الرجل هو القاضي أبو حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن حيون التميمي المغربي، ويعرف في تاريخ الدعوة الفاطمية باسم القاضي النعمان تمييزا له عن سميه أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب السني المعروف. اختلف الناس في تاريخ مولده فذهب بعضهم مثل الأستاذ جوثيل إلى أنه ولد سنة 259 وتبعه الأستاذ ماسينيون في ذلك الرأي، ولكن الأستاذ آصف فيظي خالفهما وذهب إلى أنه ولد في العشر الأخير من القرن الثالث وليس لدينا ما يرجح أحد الرأيين. بل نصرح بأنه لم يصلنا شئ عن نشأته الأولى ولا عن آبائه وأسرته إلا ما رواه ابن خلكان: أن والده أبا عبد الله محمد قد عمر طويلا، وأنه كان يحكى أخبارا كثيرة نفيسة حفظها في كبره، وتوفي في رجب سنة 351 وصلى عليه ولده أبو حنيفة النعمان ودفن بأحد أبواب القيروان فحياة الأسرة غامضة أشد الغموض ولم يحفظ التاريخ شيئا عنها، ولا أدري من أين استقى الأستاذ جوثيل ما رواه من أن والد النعمان كان من رجال الأدب، إلا إذا كان قد فهم من نص ابن خلكان ذلك.
وليس لدينا شئ عن حياة النعمان قبل قيام الدولة الفاطمية سنة 296 ه‍ وقبل اتصاله بعبيد الله المهدي الفاطمي مؤسس الدولة الفاطمية، إلا أنه كان مالكي المذهب وتحول إلى المذهب الفاطمي، ولكن مؤرخي الشيعة الاثني عشرية قالوا إن النعمان كان مالكي المذهب ثم تحول إلى الشيعة الاثني عشرية ثم انتقل إلى الإسماعيلية الفاطمية ويذهب أبو المحاسن إلى أنه كان حنفي المذهب قبل أن يعتنق المذهب الفاطمي. ولكن إذا أمعنا النظر في هذه الخلافات وجدنا أن الأرجح هو ما رواه ابن خلكان، فالمذهب المالكي هو المذهب الذي كان يسود شمال إفريقية والأندلس، على أن المذهب الحنفي كان قليل الانتشار بين المسلمين في إفريقية وفي مصر أيضا، وأن خلاصة تلاميذ مالك كانوا مصريين، وعن مصر انتقل هذا المذهب المالكي إلى شمال إفريقية والأندلس وساد هذه البلاد حتى قل أن نجد فيها مذهبا آخر من مذاهب أهل السنة، فمن المرجح أن النعمان كان على مذهب أهل بلاده، أما ما يدعيه الأستاذ آصف فيضي أن النعمان كان إسماعيلي المذهب منذ نعومة أظفاره وأنه اتخذ التقية والستر خوفا على نفسه وعلى مذهبه فهو كلام يحتاج إلى ما يؤيده، وكذلك لم يتحدث أحد من المؤرخين الذين ذكروا النعمان عن إسماعيليته إلا بعد صلته بالمهدي سنة 313 ه أي بعد أن أظهر المهدي نفسه في المغرب وهزم الأغالبة واحتل ديارهم. دخل النعمان في خدمة المهدي واتصل به، ولا ندري نوع الخدمة التي كان يؤديها ولا الصلة التي اتصلها به، ولكن بعد وفاة المهدي اتصل النعمان بالقائم بأمر الله طوال مدة حكمه.
وفي أواخر أيام القائم ولي النعمان قضاء مدينة طرابلس الغرب، أما قبل ولايته قضاء طرابلس فلا نكاد نعرف عنه شيئا. ولما بنى المنصور مدينة المنصورية كان النعمان أول من ولي قضاءها بل ولاه المنصور القضاء على سائر مدن إفريقية.
وأصبح النعمان شديد الصلة بالامام الفاطمي مقربا منه، وظل قاضي قضاة هذه المدن ومن تحته قضاتها، إلى أن ولي المعز لدين الله الإمامة فاشتدت صلة النعمان به حتى إنه كان يجالسه ويسايره وقل أن يفارقه بعد أن كان مستوحشا منه عقب ولايته. ولكن المعز طلب إليه أن يكون في عهده كما كان في عهد أبيه المنصور بالله، ثم قربت الصلة بين المعز والنعمان حتى أصبح النعمان جليسه ومسايره، ووضع النعمان كتابه المجالس والمسايرات جمع فيه كل ما رآه وما سمعه من إمامه المعز. ولما رحل المعز من إفريقية إلى مصر سنة 362 ه‍ اصطحب معه بني النعمان، وكان النعمان إذ ذاك قاضي الجيش، وكان من الطبيعي أن يقلد النعمان قضاء مصر، ولكن المعز بعد أن استقر بمصر ترك القضاء لأبي طاهر الذهلي محمد بن أحمد الذي كان على قضاء مصر منذ سنة 348 ه‍ وطلب إلى أبي طاهر أن يحكم بفقه الفاطميين، فكان لا بد للقاضي من أن يسترشد في أحكامه بالقاضي النعمان، وما زال كذلك حتى توفي النعمان سنة 363 ه.
ويقول ابن حجر: إن النعمان كان يسكن مصر أي الفسطاط ويغدو منها إلى القاهرة في كل يوم ويروى ابن خلكان عن المسبحي أن النعمان كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل ما لا مزيد عليه، ونقل ابن خلكان عن ابن زولاق أن النعمان بن محمد القاضي كان في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه. وعالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر الفحل والمعرفة بأيام الناس مع عقل وإنصاف. وكل من تحدث عن النعمان من المؤرخين يذكر فضله وعلمه وسعة ثقافته، فلا غرابة إذن أن نرى هذه الكتب الكثيرة التي ألفها النعمان والتي أصبحت عمدة كل باحث في المذهب الفاطمي بل أصبحت الأصل الذي يستقي منه علماء المذهب: فلا أكاد أعرف عالما من علماء... الدعوة الفاطمية لم ينهج نهج النعمان في فقهه أو اختلف معه في رأي في المسائل الفقهية، وقد يكون ذلك لأن النعمان قال في كتابه المجالس والمسايرات: إن الامام المعز لدين الله طلب إليه أن يلقي على الناس شيئا من علم أهل البيت، فألف النعمان كتبه، وكان يعرضها على المعز فصلا فصلا وبابا بابا حتى أتمها، فهو يقول مثلا:
أمرني المعز لدين الله صلع بجمع شئ لخصه لي وجمعه وفتح لي معانيه وبسط لي جملته فابتدأت منه شيئا ثم رفعته إليه، واعتذرت من الابطاء فيه لما أردته من إحكامه ورجوته من وقوع ما جمعته منه بموافقته ص فطالعته في مقداره، فوقع إلي: يا نعمان لا تبال كيف كان القدر مع إشباع في إيجاز، فكلما أوجزت في القول واستقصيت المعنى فهو أوفق وأحسن، والذي خشيت من أن يستبطأ في تأليفه فوالله لولا توفيق الله عز وجل إياك وعونه لك لما تعتقده من النية ومحض الولاية لما كنت تستطيع أن تأتي على باب منه في أيام كثيرة، ولكن النية يصحبها التوفيق.
وفي كتابه هذا كثير من النصوص التي تدل على أنه كان يعرض كتبه على المعز قبل إذاعتها ونشرها بين الناس، كما أنه كان يقرأ مجالس الحكمة التأويلية ومن هنا لقبه ابن زولاق بالداعي وليس لدينا من النصوص ما يثبت أن النعمان كان من الدعاة، وإن كان مؤرخو المذهب المحدثون مثل الداعي إدريس يحدثنا في كتابه عيون الأخبار أن النعمان كان في مكانة رفيعة جدا قريبة من الأئمة. وأنه كان دعامة من دعائم الدعوة، ولكنه لم يصرح بان النعمان ولي مرتبة داعي الدعاة، وأغالي إذا قلت: إن النعمان هو أول من دون فقه المذهب الفاطمي، فلا أكاد أعرف فقيها من فقهاء المذهب قبله كتب في هذا الفن، وبين يدي الآن كتاب المرشد إلى أدب الإسماعيلية وهو ثبت لأسماء
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370