ابن نعيم على نصر وقدما بالكتاب وهو أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه وجل ثناؤه وتعالى ذكره اختار الاسلام دينا لنفسه وجعله خير خيرته من خلقه ثم اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس فبعثهم به وأمرهم به وكان بينهم وبين من مضى من الأمم وخلا من القرون قرنا فقرنا يدعون إلى التي هي أحسن ويهدون إلى صراط مستقيم حتى انتهت كرامة الله في نبوته إلى محمد صلوات الله عليه على حين دروس من العلم وعمى من الناس وتشتيت من الهوى وتفرق من السبل وطموس من أعلام الحق فأبان الله به الهدى وكشف به العمى واستنقذ به من الضلالة والردى وأبهج به الدين وجعله رحمة للعالمين وختم به وحيه وجمع له ما أكرم به الأنبياء قبله وقفى به على آثارهم مصدقا لما نزل معهم ومهيمنا عليه وداعيا إليه وآمرا به حتى كان من أجابه من أمته ودخل في الدين الذي أكرمهم الله به مصدقين لما سلف من أنبياء الله فيما يكذبهم فيه قومهم منتصحين لهم فيما ينهونه ذابين لحرمهم عما كانوا منتهكين معظمين منها لما كانوا مصغرين فليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد كان يسمع لاحد من أنبياء الله فيما بعثه الله به مكذبا ولا عليه في ذلك طاعنا ولا له مؤذيا بتسفيه له أورد عليه إذ جحد لما أنزل الله عليه معه فلم يبق كافر إلا استحل بذلك دمه وقطع الأسباب التي كانت بينه وبينه وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوته حين قبض نبيه صلى الله عليه وسلم وختم به وحيه لانفاذ حكمه وإقامة سنته وحدوده والاخذ بفرائضه وحقوقه تأييدا بهم للاسلام وتشييدا بهم لعراه وتقوية بهم لقوى حبله ودفعا بهم عن حريمه وعدلا بهم بين عباده وإصلاحا بهم لبلاده فإنه تبارك وتعالى يقول: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه واستخلفهم عليه منه لا يتعرض لحقهم أحد إلا صرعه الله ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله ولا يستخف بولايتهم ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه وسلطهم عليه وجعله نكالا وموعظة لغيره وكذلك صنع الله ممن فارق
(٥٢٩)