إرادته فيجوز أن يبيح مثله وأن يحرم، لان فيه رفقا ومصلحة، فيجوز أن يكون قد سبق في علمه أن مثله مفسدة، لان تضمنه الصلاح والفساد ليس لطبعه ولذاته ولوصف هو عليه في نفسه، بل يجوز أن يكون في فعل شئ وقت الزوال مصلحة، وفيه وقت العصر مفسدة، وكذلك يجوز أن يختلف بيوم السبت والجمعة والمكان والحال، فكذلك يجوز أن يفارق شدة الخمر شدة النبيذ، فإن قيل: فإن لم يفهم النبيذ من الخمر فينبغي أن لا يفهم تحريم الضرب والأذى من التأفيف؟ قلنا؟ الحق عندنا، أن ذلك غير مفهوم من مجرد اللفظ العاري عن القرينة، لكن إذا دلت قرينة الحال على قصد الاكرام فعند ذلك يدل لفظ التأفيف على تحريم الضرب بل يكون ذلك أسبق إلى الفهم من التأفيف المذكور، إذا التأفيف لا يكون مقصودا في نفسه بل يقصد به التنبيه على منع الايذاء بذكر أقل درجاته. وكذلك النقير والقطمير والذرة والدينار لا يدل بمجرد اللفظ على ما فوقه في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (الزلزلة:
7) وفي قوله تعالى: * (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) * (آل عمران: 57) وفي قوله: والله ما شربت لفلان جرعة، ولا أخذت من ماله حبة، بل بقرينة دفع المنة وإظهار جزاء العمل، وليس إلحاق الضرب بالتأفيف أيضا بطريق القياس، لان الفرع المسكوت عنه الملحق بطريق القياس هو الذي يتصور أن يغفل عنه المتكلم ولا يقصده بكلامه وهاهنا المسكوت عنه هو الأصل في القصد الباعث على النطق بالتأفيف، وهو الأسبق إلى فهم السامع، فهذا مفهوم من لحن القول وفحواه، وعند ظهور القرينة المذكورة ربما تظهر قرينة أخرى تمنع هذا الفهم، إذا الملك قد يقتل أخاه المنازع له، فيقول للجلاد: اقتله ولا تهنه ولا تقل له أف، أما تحريم النبيذ بتحريم الخمر فليس من هذا بالقبيل، بل لا وجه له إلا القياس، فإذا لم يرد التعبد بالقياس، فقوله حرمت الخمر لشدتها، لا يفهم تحريم النبيذ، بخلاف قوله: حرمت كل مشتد.
- مسألة (تخصيص القياس) ذهب القاشاني والنهرواني إلى الاقرار بالقياس لأجل إجماع الصحابة، لكن خصصوا ذلك بموضعين: أحدهما: أن تكون العلة منصوصة، كقوله: حرمت الخمر لشدتها وفإنها من الطوافين عليكم والطوافات. الثاني: الاحكام المعلقة بالأسباب، كرجم ماعز لزناه، وقطع سارق رداء صفوان، وكأنهم يعنون بهذا الجنس تنقيح مناط الحكم ويعترفون به. قلنا: هذا المذهب يمكن تنزيله على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يشترطوا مع هذا أن يقول : وحرمت كل مشارك للخمر في الشدة، ويقول في رجم ماعز: وحكمي على الواحد حكمي على الجماعة فهذا ليس قولا بالقياس بل بالعموم، فلا يحصل التقصي به عن عهدة الاجماع المنعقد من الصحابة على القياس. الثاني: أن لا يشترط هذا ولا يشترط أيضا ورود التعبد بالقياس، فهذه زيادة علينا، وقول بالقياس حيث لا نقول به كما رددناه على النظام.
الثالث: أن يقول: مهما ورد التعبد بالقياس جاز الالحاق بالعلة المنصوصة، فهذا قول حق في الأصل، خطأ في الحصر، فإنه قصر طريق إثبات علة الأصل على النص، وليس مقصورا عليه، بل ربما دل عليه السبر والتقسيم أو دليل آخر، وما لم يدل عليه دليل فنحن لا نجوز الجمع بين الفرع والأصل، ولا فرق بين دليل ودليل. فإن قيل إذا كانت العلة منصوصة كان