بالقياس على قبول الشهادة، ولذلك أورد في مثال هذا الباب إثبات صلاة سادسة أو صوم شوال، أنه لا يثبت بالقياس، لان مثل هذه الأصول ينبغي أن تكون معلومة، وهذا فيه نظر، إذ يمكن أن يقال: إن الوتر صلاة سادسة وقد وقع الخلاف في وجوبها، فلم يشترط أن تكون السادسة معلومة الوجوب على القطع، بل سبب بطلان هذا القياس علمنا ببطلانه، لأنه لو وجب صوم شوال وصلاة سادسة لكانت العادة تحيل أن لا يتواتر، أو لأنا لا نجد أصلا نقيسه عليه، فإنه لا يمكن قياس شوال على رمضان، إذ لم يثبت لنا أن وجوب صوم رمضان لأنه شهر من الشهور أو وقت من الأوقات، أو لو صف يشاركه فيه شوال حتى يقاس عليه.
- مسألة (قياس الدلالة وقياس العلة) اختلفوا في أن النفي الأصلي هل يعرف بالقياس، وأعني بالنفي الأصلي البقاء على ما كان قبل ورود الشرع، والمختار أنه يجري فيه قياس الدلالة لا قياس العلة، وقياس الدلالة أن يستبدل بانتفاء الحكم عن الشئ على انتفائه عن مثله، ويكون ذلك ضم دليل إلى دليل، وإلا فهو باستصحاب موجب العقل النافي للأحكام قبل ورود الشرع مستغن عن الاستدلال بالنظر، أما قياس العلة فلا يجري، لان الصلاة السادسة وصوم شوال انتفى وجوبهما، لأنه لا موجب لهما كما كان قبل ورود الشرع، وليس ذلك حكما حادثا سمعيا حتى تطلب له علة شرعية، بل ليس ذلك من أحكام الشرع، بل هو نفي لحكم الشرع ولا علة له إنما العلة لما يتجدد، فحدوث العالم له سبب، وهو إرادة الصانع، أما عدمه في الأزل فلم تكن له علة، إذ لو أحيل على إرادة الله تعالى لوجب أن ينقلب موجودا لو قدرنا عدم المريد والإرادة، كما أن الإرادة لو قدر انتفاؤها لانتفى وجود العالم في وقت حدوثه، فإذا لم يكن الانتفاء الأصلي حكما شرعيا على لتحقيق لم يثبت بعلة سمعية، أما النفي الطارئ كبراءة الذمة عن الدين فهو حكم شرعي يفتقر إلى علة، فيجري فيه قياس العلة.
- مسألة (قياس الحكم المعلل) كل حكم شرعي أمكن تعليله فالقياس جار فيه، وحكم الشرع نوعان.
أحدهما: نفس الحكم. والثاني: نصب أسباب الحكم، فلله تعالى في إيجاب الرجم والقطع على الزاني والسارق حكمان. أحدهما: إيجاب الرجم والآخر: نصب الزنا سببا لوجوب الرجم، فيقال: وجب الرجم في الزنا لعلة كذا، وتلك العلة موجودة في اللواط فنجعله سببا وإن كان لا يسمى زنا. وأنكر أبو زيد الدبوسي هذا النوع من التعليل وقال:
الحكم يتبع السبب دون حكمة السبب، وإنما الحكمة ثمرة وليست بعلة، فلا يجوز أن يقال جعل القتل سببا للقصاص للزجر والردع. فينبغي أن يجب القصاص على شهود القصاص لمسيس الحاجة إلى الزجر وإن لم يتحقق القتل، وهذا فاسد. والبرهان القاطع على أن هذا الحكم شرعي، أعني نصب الأسباب لايجاب الاحكام، فيمكن أن تعقل علته، ويمكن أن يتعدى إلى سبب آخر، فإن اعترفوا بإمكان معرفة العلة وإمكان تعديته ثم توقفوا عن التعدية كانوا متحكمين بالفرق بين حكم وحكم، كمن يقول: يجري القياس في حكم الضمان لا في القصاص وفي البيع لا في النكاح، وإن ادعوا الإحالة فمن أين عرفوا استحالته، أبضرورة أو نظر، ولا بد من بيانه، كيف ونحن نبين إمكانه بالأمثلة، فإن قيل: الامكان مسلم في العقل، لكنه غير واقع، لأنه لا يلفي للأسباب علة مستقيمة تتعدى، فنقول: الآن قد ارتفع النزاع