يتهم، لكن التعويل على الاجماع في سلب الكافر هذا المنصب، فإن قيل: هذا يتجه في اليهود والنصارى ومن لا يؤمن بديننا، إذ لا يليق في السياسة تحكيمه في دين لا يعتقد تعظيمه، فما قولكم في الكافر المتأول، وهو الذي قد قال ببدعة يجب التكفير بها فهو معظم للدين، وممتنع من المعصية وغير عالم بأنه كافر، فلم لا تقبل روايته وقد قبل الشافعي رواية بعض أهل البدع، وإن كان فاسقا ببدعته، لأنه متأول في فسقه؟ قلنا: في رواية المبتدع المتأول كلام سيأتي، وأما الكافر وإن كان متأولا فلا تقبل روايته، لان كل كافر متأول، فإن اليهودي أيضا لا يعلم كونه كافرا، أما الذي ليس بمتأول وهو المعاند بلسانه بعد معرفة الحق بقلبه فذلك مما يندر، وتورع المتأول عن الكذب كتورع النصراني فلا ينظر إليه بل هذا المنصب لا يستفاد إلا بالاسلام وعرف ذلك بالاجماع لا بالقياس. الشرط الخامس: العدالة، قال الله تعالى: * (لهم) * (الحجرات: 6) وهذا زجر عن اعتماد قول الفاسق، ودليل على شرط العدالة في الرواية والشهادة، والعدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه، فلا ثقة بقول من لا يخاف الله تعالى خوفا وازعا عن الكذب، ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكفي أيضا اجتناب الكبائر، بل من الصغائر ما يرد به، كسرقة بصلة، وتطفيف في حبة قصدا، وبالجملة كل ما يدل على ركاكة دينه إلى حد يستجرئ على الكذب بالاعراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة، نحو الاكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأراذل، وإفراط المزح، والضابط في ذلك فيما جاوز محل الاجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم، فما دل عنده على جراءته على الكذب رد الشهادة به، وما لا فلا، وهذا يختلف بالإضافة إلى المجتهدين، وتفصيل ذلك من الفقه، لا من الأصول، ورب شخص يعتاد الغيبة، ويعلم الحاكم أن ذلك له طبع لا يصبر عنه، ولو حمل على شهادة الزور لم يشهد أصلا فقوله شهادته بحكم اجتهاده جائز في حقه، ويختلف ذلك بعادات البلاد واختلاف أحوال الناس في استعظام بعض الصغائر دون بعض، ويتفرع عن هذا الشرط مسألتان.
- مسألة (تعريف العدالة) قال بعض أهل العراق العدالة عبارة عن إظهار الاسلام فقط مع سلامته عن فسق ظاهر، فكل مسلم مجهول عنده عدل، وعندنا لا تعرف عدالته إلا بخبرة باطنة والبحث عن سيرته، وسريرته، ويدل على بطلان ما قالوه أمور: الأول: أن الفاسق مردود الشهادة والرواية بنص القرآن، ولعلمنا بأن دليل قبول خبر الواحد قبول الصحابة إياه وإجماعهم، ولم ينقل ذلك عنهم إلا في العدل والفاسق، لو قبلت روايته لقبل بدليل الاجماع أو بالقياس على العدل المجمع عليه ولا إجماع في الفاسق، ولا هو في معنى العدل في حصول الثقة بقوله، فصار الفسق مانعا من الرواية، كالصبا والكفر، وكالرق في الشهادة، ومجهول الحال في هذه الخصال لا يقبل قوله، فكذلك مجهول الحال في الفسق، لأنه إن كان فاسقا فهو مردود الرواية ، وإن كان عدلا فغير مقبول أيضا للجهل به، كما لو شككنا في صباه ورقه وكفره ولا فرق.
الثاني: أنه لا تقبل شهادة المجهول وكذلك روايته، وإن منعوا شهادة المال فقد سلموا شهادة