المجتهدين وعند ذلك يعسر الوقوف، على أن ذلك الظن حصل بمجرد التخصيص وحده أو به مع قرينة، فلا يبعد أن يقال: هو مجتهد فيه وليس مقطوعا، فإنه ظهر لنا أن صيغة العموم بمجردها إذا تجردت عن القرائن أفادت العموم، وليس يفهم ذلك من مجرد لفظ التخصيص وإن كان يمكن انقداحه في النفس في بعض المواضع، فليكن ذلك أيضا في محل الاجتهاد، وقد خرج على هذا أن المعنى باعتبار الملاءمة وشهادة الأصل المعين أربعة أقسام، ملائم يشهد له أصل معين يقبل قطعا عند القائسين، ومناسب لا يلائم ولا يشهد له أصل معين، فلا يقبل قطعا عند القائسين فإنه استحسان ووضع للشرع بالرأي ومثاله: حرمان القاتل لو لم يرد فيه نص لمعارضته بنقيض قصده، فهذا وضع للشرع بالرأي ومناسب يشهد له أصل معين، لكن لا يلائم، فهو في محل الاجتهاد، وملائم لا يشهد له أصل معين، وهو الاستدلال المرسل وهو أيضا في محل الاجتهاد، وقد ذكرناه في باب الاستصلاح في آخر القطب الثاني وبينا مراتبه.
القول في المسالك الفاسدة في إثبات علة الأصل وهي ثلاثة:
الأول: أن نقول الدليل على صحة علة الأصل سلامتها عن علة تعارضها تقتضي نقيض حكمها، وسلامتها عن المعارضة دليل صحتها، وهذا فاسد، لأنه إن سلم عنه فإنما سلم عن مفسد واحد، فربما لا يسلم عن مفسد آخر، وإن سلم عن كل مفسد أيضا لم يدل على صحته، كما لو سلم شهادة المجهول عن علة قادحة، لا يدل على كونه حجة ما لم تقم بينة معدلة مزكية، فكذلك لا يكفي للصحة انتفاء المفسد بل لابد من قيام الدليل على الصحة. فإن قيل: دليل صحتها انتفاء المفسد، قلنا: لا بل، دليل، فساده انتفاء المصحح، فهذا منقلب ولا فرق بين الكلامين المسلك الثاني: الاستدلال على صحتها باطرادها وجريانها في حكمها، وهذا لا معنى له إلا سلامتها عن مفسد واحد وهو النقض، فهو كقول القائل: زيد عالم لأنه دليل يفسد دعوى العلم ويعارضه أنه جاهل، لأنه لا دليل يفسد دعوى الجهل، والحق أنه لا يعلم كونه عالما بانتفاء دليل الجهل، ولا كونه جاهلا بانتفاء دليل العلم بل يتوقف فيه إلى ظهور الدليل، فكذلك الصحة والفساد، فإن قيل: ثبوت حكمها معها واقترانه بها دليل على كونها علة، قلنا غلطتم في قولكم ثبوت حكمها، لأن هذه إضافة للحكم لا تثبت إلا بعد قيام الدليل على كونها علة، فإذا لم يثبت لم يكن حكمها بل بحال غلبة الظن عليه كان حكم علته واقترن بها، والاقتران لا يدل على الإضافة، فقد يلزم الخمر لون وطعم يقترن به التحريم ويطرد وينعكس والعلة الشدة واقترانه بما ليس بعلة كاقتران الاحكام بطلوع كوكب وهبوب ريح وبالجملة، فنصب العلة مذهب يفتقر إلى دليل كوضع الحكم ولا يكفي في إثبات الحكم أنه لا نقض عليه ولا مفسد له، بل لا بد من دليل فكذلك العلة.
المسلك الثالث: الطرد والعكس، وقد قال قوم: الوصف إذا ثبت الحكم معه وزال مع زواله يدل على أنه علة، وهو فاسد، لان الرائحة المخصوصة مقرونة بالشدة في الخمر ويزول التحريم عند زوالها ويتجدد عند تجددها وليس بعلة بل هو مقترن بالعلة، وهذا لان