ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان، وكانت الصلاة ركعتين عند قوم، فنسخت بأربع في الحضر.
- مسألة (هل هناك نسخ في حق من لم يبلغه الخبر أم لا؟) اختلفوا في النسخ في حق من لم يبلغه الخبر، فقال قوم: النسخ حصل في حقه وإن كان جاهلا به، وقال قوم: ما لم يبلغه لا يكون نسخا في حقه، والمختار أن للنسخ حقيقة، وهو ارتفاع الحكم السابق، ونتيجة وهو وجوب القضاء وانتفاء الاجزاء بالعمل السابق، أما حقيقته فلا يثبت في حق من لم يبلغه، وهو رفع الحكم، لان من أمر باستقبال بيت المقدس فإذا نزل النسخ بمكة لم يسقط الامر عمن هو باليمن في الحال، بل هو مأمور بالتمسك بالامر السابق، ولو ترك لعصى، وإن بان أنه كان منسوخا، ولا يلزمه استقبال الكعبة، بل لو استقبلها لعصى وهذا لا يتجه فيه خلاف، وأما لزوم القضاء للصلاة إذا عرف النسخ فيعرف ذلك بدليل نص أو قياس، وربما يجب القضاء حيث لا يجب الأداء، كما في الحائض لو صامت عصت ويجب عليها القضاء، فكذلك يجوز أن يقال هذا لو استقبل الكعبة عصى، ويلزمه استقبالها في القضاء، وكما نقول في النائم والمغمى عليه إذا تيقظ وأفاق يلزمهما قضاء، ما لم يكن واجبا، لان من لا يفهم لا يخاطب، فإن قيل إذا علم النسخ ترك تلك القبلة بالنسخ أو بعلمه بالنسخ والعلم لا تأثير له، فدل أن الحكم انقطع بنزول الناسخ لكنه جاهل به، وهو مخطئ فيه، لكنه معذور، قلنا الناسخ هو الرافع لكن العلم شرط، ويحال عند وجود الشرط على الناسخ، ولكن لا نسخ قبل وجود الشرط، لان الناسخ خطاب، ولا يصير خطابا في حق من لم يبلغه، وقولهم أنه مخطئ محال، لان اسم الخطأ يطلق على من طلب شيئا فلم يصب، أو على من وجب عليه الطلب فقصر ولا يتحقق شئ منه في محل النزاع.
الباب الثاني في أركان النسخ وشروطه ويشتمل على تمهيد لمجامع الأركان والشروط، وعلى مسائل تتشعب من أحكام الناسخ والمنسوخ.
أما التمهيد: فاعلم أن أركان النسخ أربعة: النسخ، والناسخ والمنسوخ، والمنسوخ عنه، فإذا كان النسخ حقيقته رفع الحكم فالناسخ هو الله تعالى، فإنه الرافع للحكم، والمنسوخ هو الحكم المرفوع، والمنسوخ عنه هو المتعبد المكلف، والنسخ قوله الدال على رفع الحكم الثابت، وقد يسمى الدليل ناسخا على سبيل المجاز، فيقال: هذه الآية ناسخة لتلك، وقد يسمى الحكم ناسخا مجازا، فيقال: صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء، والحقيقة هو الأول، لان النسخ هو الرفع، والله تعالى هو الرافع، بنصب الدليل على الارتفاع وبقوله الدال عليه، وأما مجامع شروطه فالشروط أربعة: الأول: أن يكون المنسوخ حكما شرعيا لا عقليا أصليا، كالبراءة الأصلية التي ارتفعت بإيجاب العبادات. الثاني: أن يكون النسخ بخطاب فارتفاع الحكم بموت المكلف ليس نسخا إذ ليس المزيل خطابا رافعا لحكم خطاب سابق، ولكنه قد قيل أولا الحكم عليك ما دمت حيا، فوضع الحكم قاصر على الحياة، فلا يحتاج إلى الرفع. الثالث: أن لا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدا بوقت