وضعه للوطئ، واستعير للوطئ اسم اللمس، فلتعلق أحدهما بالآخر، ربما لا يبعد أن يقصدا جميعا باللفظ المذكور مرة واحدة، لكن الاظهر عندنا أن ذلك أيضا على خلاف عادة العرب، فإن قيل: فقد قال الله تعالى: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * (الأحزاب: 65)، والصلاة من الله مغفرة، ومن الملائكة استغفار، وهما معنيان مختلفان والاسم مشترك، وقد ذكر مرة واحدة وأريد به المعنيان جميعا، وكذلك قوله تعالى: * (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس القمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) [الحج: 18] وسجود الناس غير سجود الشجر والدواب، بل هو في الشجر مجاز قلنا: هذا يعضد ما ذكره الشافعي رحمه الله، ويفتح هذا الباب في معنيين يتعلق أحدهما بالآخر، فإن طلب المغفرة يتعلق بالمغفرة، لكن الاظهر عندنا أن هذا إنما أطلق على المعنيين بإزاء معنى واحد مشترك بين المعنيين، وهو العناية بأمر الشئ لشرفه وحرمته، والعناية من الله مغفرة، ومن الملائكة استغفار ودعاء، ومن الأمة دعاء وصلوات، وكذلك العذر عن السجود.
- مسألة (هل العبد مخاطب بالتكاليف الشرعية؟) ما ورد من الخطاب مضافا إلى الناس والمؤمنين يدخل تحته العبد، كقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) وأمثاله، وقال قوم: لا يدخل تحته لأنه مملوك للآدمي بتمليك الله تعالى: فلا يتناوله إلا خطاب خاص به، وهذا هوس لأنه لم يخرج عن معظم التكاليف، وخروجه عن بعضها كخروج المريض والحائض والمسافر، وذلك لا يوجب رفع العموم، فلا يجوز إخراجه إلا بدليل خاص.
- مسألة (هل الخطاب الشرعي يعم الكافر؟) يدخل الكافر تحت خطاب الناس وكل لفظ عام، لأنا بينا أن خطابه بفروع العبادات ممكن، وإنما خرج عن بعضها بدليل خاص، ومن الناس من أنكر ذلك، وهو باطل لما قررناه في أحكام التكاليف.
- مسألة (هل تدخل النساء في عموم الخطاب؟) يدخل النساء تحت الحكم المضاف إلى الناس فأما المؤمنون والمسلمون وصيغ جمع الذكر اختلفوا فيه، فقال قوم: تدخل النساء تحته، لان الذكور والإناث إذا اجتمعوا غلبت العرب التذكير، واختار القاضي أنها لا تدخل، وهو الاظهر، لان الله تعالى ذكر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فجمع الذكور متميز، نعم: إذا اجتمعوا في الحكم وأراد الاخبار تجوز العرب الاقتصار على لفظ التذكير، أما ما ينشأ على سبيل الابتداء ويخصه بلفظ المؤمنين فإلحاق المؤمنات إنما يكون بدليل آخر من قياس، أو كونه في معنى المنصوص أو ما جرى مجراه.
- مسألة (هل تدخل الأمة عند خطاب الله للنبي (ص)؟) كما لا تدخل الأمة تحت خطاب النبي (ص) في قوله: * (يا أيها النبي) * لا يدخل النبي تحت الخطاب الخاص بالأمة، أما الخطاب بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * و * (يا أيها الناس) * فيدخل النبي تحته لعموم هذه الألفاظ، وقال قوم: لا يدخل، لأنه قد خص بالخطاب في أحكام، فلا يلزمه إلا الخطاب الذي يخصه، وهو فاسد،