لان الأبوة مظنة للتهمة، فلا ينظر إلى الحال، وإنما مظنة التهمة ارتكاب الفسق مع المعرفة دون من لا يعرف ذلك، ويدل أيضا على مذهب الشافعي قبول الصحابة قول الخوارج في الاخبار والشهادة وكانوا فسقة متأولين، وعلى قبول ذلك درج التابعون، لانهم متورعون عن الكذب جاهلون بالفسق، فإن قيل: فهل يمكن دعوى الاجماع في ذلك؟ قلنا: لا، فإنا نعلم أن عليا والأئمة قبلوا قول قتلة عثمان والخوارج، لكن لا نعلم ذلك من جميع الصحابة، فلعل فيهم من أضمر إنكارا، لكن لم يرد على الامام في محل الاجتهاد، فكيف ولو قبل جميعهم خبرهم، فلا يثبت أن جميعهم اعتقدوا فسقهم، وكيف يفرض والخوارج من جملة أهل الاجماع، وما اعتقدوا فسق أنفسهم، بل فسق خصومهم، وفسق عثمان وطلحة، ووافقهم عليه عمار بن ياسر، وعدي بن حاتم، وابن الكواء، والأشتر النخعي وجماعة من الامراء، وعلي في تقية من الانكار عليهم خوف الفتنة، فإن قيل لو لم يعتقدوا فسق الخوارج لفسقوا قلنا ليس كذلك، فليس الجهل بما يفسق ويكفر فسقا وكفرا، وعلى الجملة فقبولهم روايتهم يدل على أنهم اعتقدوا رد خبر الفاسق: للتهمة، ولم يتهموا المتأول، والله أعلم.
خاتمة جامعة للرواية والشهادة اعلم أن التكليف والاسلام ولعدالة والضبط يشترك فيه الرواية والشهادة، فهذه أربعة، أما الحرية والذكورة والبصر والقرابة والعدد والعداوة، فهذه الستة تؤثر في الشهادة دون الرواية، لان الرواية حكمها عام لا يختص بشخص حتى تؤثر فيه الصداقة والقرابة والعداوة، فيروي أولاد رسول الله (ص) عنه، ويروي كل ولد عن والده، والضرير الضابط للصوت تقبل روايته، وإن لم تقبل شهادته، إذ كانت الصحابة يروون عن عائشة اعتمادا على صوتها، وهم كالضرير في حقها، ولا يشترط كون الراوي عالما فقيها، سواء خالف ما رواه القياس أو وافق، إذ رب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، فلا يشترط إلا الحفظ، ولا يشترط مجالسة العلماء وسماع الأحاديث، بل قبل الصحابة قول أعرابي لم يرو إلا حديثا واحدا، نعم: إذا عارضه حديث العالم الممارس ففي الترجيح نظر سيأتي، ولا تقبل رواية من عرف باللعب والهزل في أمر الحديث أو التساهل في أمر الحديث، أو بكثرة السهو فيه، إذ تبطل الثقة بجميع ذلك، أما الهزل والتساهل في حديث نفسه فقد لا يوجب الرد، ولا يشترط كون الراوي معروف النسب، بل إذا عرف عدالة شخص بالخبرة قبل حديثه، وإن لم يكن له نسب، فضلا عن أن يكون لا يعرف نسبه، ولو روى عن مجهول العين لم نقبله، بل من يقبل رواية المجهول صفته لا يقبل رواية المجهول عينه ، إذ لو عرف عينه ربما عرفه بالفسق، بخلاف من عرف عينه ولم يعرفه بالفسق، فلو روى عن شخص ذكر اسمه واسمه مردد بين مجرح وعدل فلا يقبل لأجل التردد الباب الثالث في الجرح والتعديل وفيه أربعة فصول الأول: في عدد المزكى وقد اختلفوا فيه، فشرط بعض المحدثين العدد في المزكى والجارح، كما في مزكى الشاهد، وقال القاضي: لا يشترط العدد في تزكية الشاهد، ولا في تزكية الراوي، وإن كان الأحوط في الشهادة الاستظهار بعدد المزكى، وقال قوم: يشترط في الشهادة