الشك في دوامها، وهاهنا الشك في أصل الاجماع، لان الاجماع موقوف على حصول نعت الكلية لهم، ونعت الكلية موقوف على معرفة انتفاء الخلاف، فإذا شككنا في انتفاء الخلاف شككنا في الكلية فشككنا في الاجماع؟ قلنا: لا بل نعت الكلية حاصل للتابعين، وإنما ينتفي بمعرفة الخلاف فإذا لم يعرف بقيت الكلية، وما ذكروه يضاهي قول القائل: الحجة في نص مات الرسول عليه السلام قبل نسخه، فإذا لم يعرف موته قبل نسخه شككنا في الحجة، والحجة الاجماع المنقرض عليه العصر فإذا شككنا في الرجوع فقد شككنا في الحجة، وكذلك القول في قول الميت الأول من الصحابة، فإنا لا نقول: صار كلية الباقين مشكوكا فيها، هذا تمام الكلام في الركن الأول.
الركن الثاني: في نفس الاجماع ونعني به اتفاق فتاوى الأمة في المسألة في لحظة واحدة انقرض عليه العصر أو لم ينقرض، أفتوا عن اجتهاد أو عن نص، مهما كانت الفتوى نطقا صريحا، وتمام النظر في هذا الركن ببيان أن السكوت ليس كالنطق وأن انقراض العصر ليس بشرط، وأن الاجماع قد ينعقد عن اجتهاد فهذه ثلاث مسائل:
- مسألة (الاجماع السكوتي) إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى وسكت الآخرون لم ينعقد الاجماع، ولا ينسب إلى ساكت قول، وقال قوم: إذا انتشر وسكتوا فسكوتهم كالنطق حتى يتم به الاجماع، وشرط قوم انقراض العصر على السكوت، وقال قوم: هو حجة وليس بإجماع، وقال قوم:
ليس بحجة ولا إجماع، ولكنه دليل تجويزهم الاجتهاد في المسألة، والمختار أنه ليس بإجماع ولا حجة، ولا هو دليل على تجويز الاجتهاد في المسألة، إلا إذا دلت قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين الرضا، وجواز الاخذ به عند السكوت، والدليل عليه أن فتواه، إنما تعلم بقوله الصريح الذي لا يتطرق إليه احتمال وتردد، والسكوت متردد، فقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب: الأول: أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول، ونحن لا نطلع عليه، وقد تظهر قرائن السخط عليه مع سكوته. الثاني: أن يسكت لأنه يراه قولا سائغا لمن أداه إليه اجتهاده، وإن لم يكن هو موافقا عليه، بل كان يعتقد خطأه. الثالث: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب فلا يرى الانكار في المجتهدات أصلا، ولا يرى الجواب إلا فرض كفاية، فإذا كفاه من هو مصيب سكت وإن خالف اجتهاده. الرابع: أن يسكت وهو منكر لكن ينتظر فرصة الانكار، ولا يرى البدار مصلحة لعارض من العوارض ينتظر زواله ثم يموت قبل زوال ذلك العارض أو يشتغل عنه. الخامس: أن يعلم أنه لو أنكر لم يلتفت إليه وناله ذل وهوان كما قال ابن عباس في سكوته عن إنكار العول في حياة عمر كان رجلا مهيبا فهبته. السادس: أن يسكت، لأنه متوقف في المسألة، لأنه بعد في مهلة النظر. السابع: أن يسكت لظنه أن غيره قد كفاه الانكار، وأغناه عن الاظهار، ثم يكون قد غلط فيه، فترك الانكار عن توهم، إذا رأى الانكار فرض كفاية وظن أنه قد كفى، وهو مخطئ في وهمه، فإن قيل: لو كان فيه خلاف لظهر؟
قلنا: لو كان فيه وفاق لظهر، فإن تصور عارض يمنع من ظهور الوفاق تصور مثله في ظهور الخلاف. وبهذا يبطل قول الجبائي حيث شرط انقراض العصر في السكوت إذ من العوارض المذكورة ما يدوم إلى آخر العصر، أما من قال هو حجة وإن لم يكن إجماعا فهو