دلالات لم يكن من ضرورة انتفاء بعضها انتفاء الحكم، لكنا نقول: إن لم يكن للحكم إلا علة واحدة فالعكس لازم لا، لان انتفاء العلة يوجب انتفاء الحكم، بل لان الحكم لا بد له من علة، فإذا اتحدت العلة وانتفت، فلو بقي الحكم لكان ثابتا بغير سبب، أما حيث تعددت العلة فلا يلزم انتفاء الحكم عند انتفاء بعض العلل، بل عند انتفاء جميعها. والذي يدل على لزوم العكس عند اتحاد العلة أنا إذا قلنا: لا تثبت الشفعة للجار، لان ثبوتها للشريك معلل بعلة الضرر اللاحق من التزاحم على المرافق المتخذة من المطبخ والخلاء والمطرح للتراب ومصعد السطح وغيره، فلأبي حنيفة أن يقول: هذا لا مدخل له في التأثير، فإن الشفعة ثابتة في العرصة البيضاء وما لا مرافق له، فهذا الآن عكس، وهو لازم، لأنه يقول: لو كان هذا مناطا للحكم لانتفى الحكم عند انتفائه فنقول: السبب فيه ضرر مزاحمة الشركة فنقول:
لو كان كذلك لثبت في شركة العبيد والحيوانات والمنقولات، فإن قلنا: ضرر الشركة فيما يبقى ويتأبد فيقول: فلتجز في الحمام الصغير، وما لا ينقسم فلا يزال يؤاخذنا بالطرد والعكس، وهي مؤاخذة صحيحة إلى أن نعلل بضرر مؤونة القسمة، ونأتي بتمام قيود العلة، بحيث يوجد الحكم بوجودها ويعدم بعدمها، وهذا المكان أنا أثبتنا هذه العلة بالمناسبة، وشهادة الحكم لها لوروده على وفقها وشرط مثل هذه العلة الاتحاد وشرط الاتحاد العكس، فإن قيل: ولفظ العكس هل يراد به معنى سوى انتفاء الحكم عند انتفاء العلة؟ قلنا: هذا هو المعنى الأشهر، وربما أطلق على غيره بطريق التوهم كما يقول الحنفي لما لم يجب القتل بصغير المثقل لم يجب بكبيره بدليل عكسه، وهو أنه لما وجب بكبير الجارح وجب بصغيرة، وقالوا: لما سقط بزوال العقل جميع العبادات ينبغي أن يجب برجوع العقل جميع العبادات، وهذا فاسد لأنه لا مانع من أن يرد الشرع بوجوب القصاص بكل جارح وإن صغر، ثم يخصص في المثقل بالكبير، ولا بعد في أن يكون العقل شرطا في العبادات، ثم لا يكفي مجرده للوجوب، بل يستدعي شرطا آخر.
- مسألة (هل تصح العلة القاصرة أم لا؟) العلة القاصرة صحيحة، وذهب أبو حنيفة إلى إبطالها، ونحن نقول: أولا ينظر الناظر في استنباط العلة وإقامة الدليل على صحتها بالايماء أو بالمناسبة أو تضمن المصلحة المبهمة، ثم بعد ذلك ينظر، فإن كان أعم من النص عدي حكمها وإلا اقتصر، فالتعدية فرع الصحة، فكيف يكون ما يتبع الشئ مصححا له؟ فإن قيل: كما أن البيع يراد للملك والنكاح للحل، فإذا تخلفت فائدتهما قيل أنهما باطلان، فكذلك العلة تراد لاثبات الحكم بها في غير محل النص، فإذا لم يثبت بها حكم كانت باطلة لخلوها عن الفائدة، وللجواب منهاجان: أحدهما: أن نسلم عدم الفائدة ونقول: إن عنيتم بالبطلان أنه لا يثبت بها حكم في غير محل النص فهو مسلم، ونحن لا نعني بالصحة إلا أن الناظر ينظر ويطلب العلة. ولا ندري أن ما سيفضي إليه نظره قاصر أو متعد، ويصحح العلة بما يغلب على ظنه من مناسبة أو مصلحة أو تضمن مصلحة، ثم يعرف بعد ذلك تعديه أو قصوره، فما ظهر من قصوره لا ينعطف فسادا على مأخذ ظنه ونظره، ولا ينزع من قلبه ما قر في نفسه من التعليل، فإذا فسرنا الصحة بهذا القدر لم يمكن جحده، وإذا فسروا البطلان بما ذكروه لم نجحده وارتفع