يتعلق طرف منه بطريق التخصيص، وسيأتي في القسم الرابع، وطرف يتعلق بما تعم به البلوى، وقد ذكرناه في كتاب الاخبار.
القسم الثاني من الفن الأول في الظاهر والمؤول إعلم أنا بينا أن اللفظ الدال الذي ليس بمجمل إما أن يكون نصا وإما أن يكون ظاهرا، والنص هو الذي لا يحتمل التأويل، والظاهر هو الذي يحتمله، فهذا القدر قد عرفته على الجملة، وبقي عليك الآن أن تعرف الاختلاف في إطلاق لفظ النص، وأن تعرف حده وحد الظاهر، وشرط التأويل المقبول، فنقول:
النص اسم مشترك يطلق في تعارف العلماء على ثلاثة أوجه: الأول: ما أطلقه الشافعي رحمه الله، فإنه سمى الظاهر نصا، وهو منطبق على اللغة، ولا مانع منه في الشرع، والنص في اللغة بمعنى الظهور، تقول العرب: نصت الظبية رأسها إذا رفعته وأظهرته، وسمي الكرسي منصة إذ تظهر عليه العروس، وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد فرجة نص، فعلى هذا حده حد الظاهر هو اللفظ الذي يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع، فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى الغالب ظاهر ونص. الثاني: وهو الأشهر، ما لا يتطرق إليه احتمال أصلا، لا على قرب ولا على بعد، كالخمسة مثلا، فإنه نص في معناه لا يحتمل الستة ولا الأربعة وسائر الاعداد، ولفظ الفرس لا يحتمل الحمار والبعير وغيره، فكل ما كانت دلالته على معناه في هذه الدرجة سمي بالإضافة إلى معناه نصا في طرفي الاثبات والنفي، أعني في إثبات المسمى ونفي ما لا ينطلق عليه الاسم، فعلى هذا حده اللفظ الذي يفهم منه على القطع معنى، فهو بالإضافة إلى معناه المقطوع به نص، ويجوز أن يكون اللفظ الواحد نصا ظاهرا مجملا، لكن بالإضافة إلى ثلاثة معان لا إلى معنى واحد. الثالث: التعبير بالنص عما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل، أما الاحتمال الذي لا يعضده دليل فلا يخرج اللفظ عن كونه نصا، فكان شرط النص بالوضع الثاني أن لا يتطرق إليه احتمال أصلا، وبالوضع الثالث أن لا يتطرق إليه احتمال مخصوص، وهو المعتضد بدليل، ولا حجر في إطلاق اسم النص على هذه المعاني الثلاثة، لكن الاطلاق الثاني أوجه وأشهر، وعن الاشتباه بالظاهر أبعد، هذا هو القول في النص والظاهر. أما القول في التأويل فيستدعي تمهيد أصل وضرب أمثلة: أما التمهيد: فهو أن التأويل عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي يدل عليه الظاهر، ويشبه أن يكون كل تأويل صرفا للفظ عن الحقيقة إلى المجاز، وكذلك تخصيص العموم يرد اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز، فإنه إن ثبت أن وضعه وحقيقته للاستغراق فهو مجاز في الاقتصار على البعض، فكأنه رد له إلى المجاز، إلا أن الاحتمال تارة يقرب وتارة يبعد، فإن قرب كفى في إثباته دليل قريب، وإن لم يكن بالغا في القوة، وإن كان بعيدا افتقر إلى دليل قوي يجبر بعده حتى يكون ركوب ذلك الاحتمال البعيد أغلب على الظن من مخالفة ذلك الدليل، وقد يكون ذلك الدليل قرينة وقد يكون قياسا، وقد يكون ظاهرا آخر أقوى منه، ورب تأويل لا ينقدح إلا بتقدير قرينة وإن لم تنقل القرينة، كقوله عليه السلام: إنما الربا في النسيئة فإنه يحمل على مختلفي الجنس، ولا ينقدح هذا التخصيص إلا بتقدير واقعة وسؤال عن مختلفي الجنس ولكن يجوز تقدير