يسع تأخيره عنه، وقولكم: أنه ينوي الفرض فمسلم، لكنه فرض بمعنى أنه يصير فرضا كمعجل الزكاة ينوي فرض الزكاة، ويثاب ثواب معجل الفرض لا ثواب الندب ولا ثواب الفرض الذي ليس بمعجل، قلنا: قولكم أنه بالإضافة إلى أول الوقت يجوز تأخيره فهو ندب خطأ، إذ ليس هذا حد الندب، بل الندب ما يجوز تركه مطلقا، وهذا لا يجوز تركه إلا بشرط، وهو الفعل بعده أو العزم على الفعل، وما جاز تركه ببدل وشرط فليس بندب بدليل ما لو أمر بالاعتاق فإنه ما من عبد إلا ويجوز له ترك اعتاقه لكن بشرط أن يعتق عبدا آخر، وكذلك خصال الكفارة، ما من واحدة إلا ويجوز تركها لكن ببدل، ولا يكون ندبا بل كما يسمى ذلك واجبا مخيرا، يسمى هذا واجبا غير مضيق، وإذا كان حظ المعنى منه متفقا عليه وهو الانقسام إلى الأقسام الثلاثة فلا معنى للمناقشة، وما جاز تركه بشرط يفارق ما لا يجوز تركه مطلقا، وما يجوز تركه مطلقا، فهو قسم ثالث، وأما ما ذكرتموه من أنه تعجيل للفرض فلذلك سمي فرضا فمخالف للاجماع، إذ يجب نية التعجيل في الزكاة، وما نوى أحد من السلف في الصلاة في أول الوقت إلا ما نواه في آخره، ولم يفرقوا أصلا وهو مقطوع به، فإن قيل: قد قال قوم يقع نفلا ويسقط الفرض عنده، وقال قوم: يقع موقوفا، فإن بقي بنعت المكلفين إلى آخر الوقت تبين وقوعه فرضا، وإن مات أو جن وقع نفلا، قلنا: لو كان يقع نفلا لجازت بنية النفل بل استحال وجود نية الفرض من العالم بكونه نفلا، إذ النية قصد يتبع العلم، والوقف باطل إذ الأمة مجمعة على أن من مات في وسط الوقت بعد الفراغ من الصلاة مات مؤديا فرض الله تعالى كما نواه وأداه، إذا قال: نويت أداء فرض الله تعالى، فإن قيل: بنيتم كلامكم على أن تركه جائز بشرط وهو العزم على الامتثال أو الفعل وليس كذلك، فإن الواجب المخير ما خير فيه بين شيئين كخصال الكفارة، وما خير الشرع بين فعل الصلاة والعزم، ولان مجرد قوله: صل في هذا الوقت ليس فيه تعرض للعزم، فإيجابه زيادة على مقتضى الصيغة، ولأنه لو غفل وخلا عن العزم ومات في وسط الوقت لم يكن عاصيا؟ قلنا: أما قولكم لو ذهل لا يكون عاصيا فمسلم، وسببه أن الغافل لا يكلف، أما إذا لم يغفل عن الامر فلا يخلو عن العزم إلا بضده ، وهو العزم على الترك مطلقا، وذلك حرام، وما لا خلاص من الحرام إلا به فهو واجب، فهذا الدليل قد دل على وجوبه وإن لم يدل عليه مجرد الصيغة من حيث وضع اللسان، ودليل العقل أقوى من دلالة الصيغة، فإذا يرجع حاصل الكلام إلى أن الواجب الموسع كالواجب المخير بالإضافة إلى أول الوقت وبالإضافة إلى آخره أيضا، فإنه لو أخلي عنه في آخره لم يعص إذا كان قد فعل في أوله.
مسألة (حكم من توفي أثناء وقت الصلاة بعد العزم عليها) إذا مات في أثناء وقت الصلاة فجأة بعد العزم على الامتثال لا يكون عاصيا، وقال بعض من أراد تحقيق معنى الوجوب أنه يعصي، وهو خلاف إجماع السلف، فإنا نعلم أنهم كانوا لا يؤثمون من مات فجأة بعد انقضاء مقدار أربع ركعات من وقت الزوال أو بعد انقضاء مقدار ركعتين من أول الصبح، وكانوا لا ينسبونه إلى تقصير، ولا سيما إذا اشتغل بالوضوء، أو نهض إلى المسجد فمات في الطريق، بل محال أن يعصي، وقد جوز له التأخير فمن فعل ما يجوز له كيف يمكن تعصيته، فإن قيل: جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة،