نك من المصلين أي من المؤمنين، لكن عرفوا أنفسهم بعلامة المؤمنين، كما قال (ص):
نهيت عن قتل المصلين أي المؤمنين، لكن عرفهم بما هو شعارهم؟ قلنا: هذا محتمل لكن الظاهر لا يترك إلا بدليل، ولا دليل للخصم الدليل الثاني: قوله تعالى:
* (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله) * (الفرقان: 86) إلى قوله تعالى: * (يضاعف له العذاب) * (الفرقان: 96)، فالآية نص في مضاعفة عذاب من جمع بين الكفر والقتل والزنا، لا كمن جمع بين الكفر والأكل والشرب. والدليل الثالث: انعقاد الاجماع على تعذيب الكافر على تكذيب الرسول، كما يعذب على الكفر بالله تعالى، وهذا يهدم معتمدهم إذ قالوا: لا تتصور العبادة مع الكفر، فكيف يؤمر بها؟ احتجوا بأنه لا معنى لوجوب الزكاة وقضاء الصلاة عليه مع استحالة فعله في الكفر، ومع انتفاء وجوبه لو أسلم، فكيف يجب ما لا يمكن امتثاله؟ قلنا: وجب حتى لو مات على الكفر لعوقب على تركه، لكن إذا أسلم عفى له عما سلف، فالاسلام يجب ما قبله، ولا يبعد نسخ الامر قبل التمكن من الامتثال، فكيف يبعد سقوط الوجوب بالاسلام؟ فإن قيل إذا لم تجب الزكاة إلا بشرط الاسلام، والاسلام الذي هو شرط الوجوب هو بعينه مسقط، فالاستدلال بهذا على أنه لم يجب أولى من إيجابه، ثم الحكم بسقوطه؟ قلنا: لا بعد في قولنا: استقر الوجوب بالاسلام وسقط بحكم العفو، فليس في ذلك مخالفة نص، ونصوص القرآن دلت على عقاب الكافر المتعاطي للفواحش، وكذا الاجماع دل على الفرق بين كافر قتل الأنبياء والأولياء وشوش الدين، وبين كافر لم يرتكب شيئا من ذلك، فما ذكرناه أولى، فإن قيل: فلم أوجبتم القضاء على المرتد دون الكافر الأصلي؟ قلنا: القضاء إنما وجب بأمر مجدد، فيتبع فيه موجب الدليل ولا حجة فيه، إذ قد يجب القضاء على الحائض ولم تؤمر بالأداء، وقد يؤمر بالأداء من لا يؤمر بالقضاء، وقد اعتذر الفقهاء بأن المرتد قد التزم بالاسلام القضاء، والكافر لم يلتزم وهذا ضعيف، فإن ما ألزمه الله تعالى فهو لازم التزمه العبد أو لم يلتزمه، فإن كان يسقط بعدم التزامه فالكافر الأصلي لم يلتزم العبادات، وترك المحظورات فينبغي أن لا يلزمه ذلك.
الفن الرابع من القطب الأول فيما يظهر الحكم به وهو الذي يسمى سببا، وكيفية نسبة الحكم إليه، وفيه أربعة فصول الفصل الأول في الأسباب إعلم أنه لما عسر على الخلق معرفة خطاب الله تعالى في كل حال لا سيما بعد انقطاع الوحي، أظهر الله سبحانه خطابه لخلقه بأمور محسوسة نصبها أسبابا لاحكامه، وجعلها موجبة ومقتضية للأحكام على مثال اقتضاء العلة الحسية معلولها، ونعني بالأسباب ها هنا أنها هي التي أضاف الاحكام إليها، كقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * وقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (البقرة: 581) وقوله (ص): صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وهذا ظاهر فيما يتكرر من العبادات، كالصلاة والصوم والزكاة، فإن ما يتكرر الوجوب بتكرره، فجدير بأن يسمى سببا، أما ما لا يتكرر كالاسلام والحج فيمكن أن يقال ذلك معلوم بقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) وكذا وجوب المعرفة على كل مكلف يعلم