الآية أن لا حجة سواه فليس هذا ظاهر منطوقه ولا حجة عندهم بالمفهوم، ولو كان فرفع المفهوم رفع بعض مقتضى اللفظ، وكل ذلك لو سلم استقرار المفهوم وثباته، وقد ورد خبر الشاهد واليمين بعده وكل ذلك غير مسلم.
- مسألة (إثبات بدل غير المنسوخ) ليس من شرط النسخ إثبات بدل غير المنسوخ، وقال قوم: يمتنع ذلك، فنقول: يمتنع ذلك عقلا أو سمعا ولا يمتنع عقلا جوازه، إذ لو امتنع لكان الامتناع لصورته أو لمخالفته المصلحة والحكمة ولا يمتنع لصورته، إذ يقول: قد أوجبت عليك القتال ونسخته عنك ورددتك إلى ما كان قبل من الحكم الأصلي ولا يمتنع للمصلحة فإن الشرع لا ينبني عليها، وإن ابتنى فلا يبعد أن تكون المصلحة في رفعه من غير إثبات بدل، وإن منعوا جوازه سمعا فهو تحكم بل نسخ النهي عن ادخار لحوم الأضاحي وتقدمة الصدقة أمام المناجاة ولا بدل لها، وإن نسخت القبلة إلى بدل ووصية الأقربين إلى بدل وغير ذلك، وحقيقة النسخ هو الرفع فقط، أما قوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * (البقرة: 601) أن تمسكوا به فالجواب من أوجه: الأول: أن هذا لا يمنع الجواز، وإن منع الوقوع عند من يقول بصيغة العموم، ومن لا يقول بها فلا يلزمه أصلا، ومن قال بها فلا يلزمه من هذا أنه لا يجوز في جميع المواضع إلا ببدل، بل يتطرق التخصيص إليه بدليل الأضاحي والصدقة أمام المناجاة، ثم ظاهره أنه أراد أن نسخ آية بآية أخرى مثلها لا يتضمن الناسخ إلا رفع المنسوخ، أو يتضمن مع ذلك غيره فكل ذلك محتمل.
- مسألة (الأخف والأثقل في النسخ) قال قوم يجوز النسخ بالأخف، ولا يجوز بالأثقل، فنقول: امتناع النسخ بالأثقل عرفتموه عقلا أو شرعا، ولا يستحيل عقلا، لأنه لا يمتنع لذاته ولا للاستصلاح، فإنا ننكره، وإن قلنا به فلم يستحيل أن تكون المصلحة في التدريج والترقي من الأخف إلى الأثقل، كما كانت المصلحة في ابتداء التكليف ورفع الحكم الأصلي، فإن قيل: إن الله تعالى رؤوف رحيم بعباده ولا يليق به التشديد: قلنا: فينبغي أن لا يليق به ابتداء التكليف، ولا تسليط المرض والفقر وأنواع العذاب على الخلق، فإن قالوا: إنه يمتنع سمعا لقوله تعالى:
* (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (البقرة: 581) ولقوله تعالى: * (يريد الله أن يخفف عنكم) * (النساء: 82) قلنا: فينبغي أن يتركهم، وإباحة الفعل ففيه اليسر، ثم ينبغي أن لا ينسخ بالمثل، لأنه لا يسر فيه، إذ اليسر في رفعه إلى غير بدل أو بالأخف، وهذه الآيات وردت في صور خاصة أريد بها التخفيف، وليس فيه منع إرادة التثقيل والتشديد، فإن قيل:
فقد قال: * (ما ننسخ من آية أو ننسها) * (البقرة: 601) الآية وهذا خير عام، والخير ما هو خير لنا، وإلا فالقرآن خير كله، والخير لنا ما هو أخف علينا؟ قلنا: لا بل الخير ما هو أجزل ثوابا وأصلح لنا في المآل وإن كان أثقل في الحال، فإن قيل: لا يمتنع ذلك عقلا بل سمعا، لأنه لم يوجد في الشرع نسخ بالأثقل؟ قلنا: ليس كذلك، إذ أمر الصحابة أولا بترك القتال والاعراض، ثم بنصب القتال مع التشديد بثبات الواحد للعشرة، وكذلك نسخ التخيير بين الصوم والفدية بالاطعام بتعيين الصيام، وهو تضييق، وحرم الخمر ونكاح المتعة والحمر الأهلية بعد إطلاقها، ونسخ جواز تأخير الصلاة عند الخوف إلى إيجابها في أثناء القتال،