شخصين، كالصلاة وتركها في حق الحائض والطاهر، والقبلة في حق، من يظنها إذا اختلف الاجتهاد في القبلة، وكجواز ركوب البحر وتحريمه في حق رجلين يغلب على ظن أحدهما السلامة وعلى ظن الآخر الهلاك، وكتصديق الراوي والشاهد وتكذيبهما في حق قاضيين ومفتيين يظن أحدهما الصدق والآخر الكذب، وأما قولهم كيف يكون الاختلاف مأمورا به؟
قلنا: بل يؤمر المجتهد بظنه، وإن خالفه غيره فليس رفعه داخلا تحت اختياره، فالاختلاف واقع ضرورة لا أنه أمر به، وقوله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 28) معناه التناقض والكذب الذي يدعيه الملحدة، أو الاختلاف في البلاغة واضطراب اللفظ الذي يتطرق إلى كلام البشر بسبب اختلاف أحواله في نظمه ونثره، وليس المراد به نفي الاختلاف في الاحكام، لان جميع الشرائع والملل من عند الله، وهي مختلفة، والقرآن فيه أمر ونهي وإباحة ووعد ووعيد، وأمثال ومواعظ وهذه اختلافات، أما قوله: * (ولا تتفرقوا) * (الشورى: 31) * (ولا تنازعوا) * فكل ذلك نهي عن الاختلاف في التوحيد والايمان بالنبي عليه السلام والقيام بنصرته، وكذلك أصول جميع الديانات التي الحق فيها واحد، ولذلك قال تعالى: * (من بعدما جاءهم البينات) * (آل عمران: 501) وقوله تعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) * (الأنفال: 64) أراد به التخاذل عن نصرة الدين، وأما ما رووه عن الصحابة رضي الله عنهم في ذم الاختلاف، فكيف يصح وهم أول المختلفين والمجتهدين، واختلافهم واجتهادهم معلوم تواترا، كيف تدفعها روايات يتطرق إلى سندها ضعف وإلى متنها تأويل من النهي عن الاختلاف في أصل الدين أو نصرة الدين، أو في أمر الخلافة والإمامة والخلاف بعد الاجماع، أو الاختلاف على الأئمة والولاة والقضاة، أو نهي العوام عن الاختلاف بالرأي وليسوا أهل الاجتهاد؟ وأما إنكار عمر اختلاف ابن مسعود وأبي بن كعب فلعله قد كان سبق إجماع على ثوب واحد، ومن خالف ظن أن انقضاء العصر شرط في الاجماع، ولذلك قال عمر: عن أي فتياكم يصدر المسلمون وأنتم جميعا تروون عن النبي عليه السلام، أو لعل كل واحد أثم صاحبه وبالغ فيه، فنهى عن وجه الاختلاف لا عن أصله، أو لعلهما اختلفا على مستفت واحد، فتحير السائل فقال، عن أي فتياكم يصدر الناس، أي العامة، بل إذا ذكر المفتي في محل الاجتهاد شيئا للعامي فلا ينبغي للمفتي الآخر أن يخالفه بين يديه فيتحير السائل، وأما اختلاف عمر وعلي رضي الله عنهما في تحريم المتعة فلا يصح، بل صح عن علي نقله تحريم متعة النساء ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر كيف وقد علم قطعا أنهم جوزوا الاجتهاد، أما كتاب علي إلى قضاته وكراهية الاختلاف فيحتمل وجوها: أحدها: أنهم ربما كتبوا إليه يطلبون رأيه في بعض الوقائع فقال: اقضوا كما كنتم تقضون، إذ لو خالفتموهم الآن لا نفتق به فتق آخر وحمل ذلك على تعصب مني ومخالفة، ويحتمل أنهم استأذنوه في مخالفة إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ظن أن العصر لم ينقرض، بعد فيجوز الخلاف، فكره لهم مخالفة السابقين، واستأذنوه في القضاء بشهادة أهل البصرة من الخوارج وغيرهم أو ردها فأمرهم بقبولها كما كان قبل الحرب لانهم حاربوا على تأويل وفي رد شهادتهم تعصب وتجديد خلاف.