يقتضي دخوله زوال الحكم، كقوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (البقرة: 781) الرابع: أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا، لا كقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (البقرة: 222)، وقوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 92).
وليس يشترط فيه تسعة أمور: الأول: أن يكون رافعا للمثل بالمثل، بل أن يكون رافعا فقط.
الثاني: أن لا يشترط ورود النسخ بعد دخول وقت المنسوخ، بل يجوز قبل دخول وقته.
الثالث: أن لا يتشرط أن يكون المنسوخ مما يدخله الاستثناء والتخصيص، بل يجوز ورود النسخ على الامر بفعل واحد في وقت واحد. الرابع: أن لا يشترط أن يكون نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة فلا تشترط الجنسية، بل يكفي أن يكون مما يصح النسخ به. الخامس:
أن لا يشترط أن يكونا نصين قاطعين، إذ يجوز نسخ خبر الواحد بخبر الواحد، وبالمتواتر وإن كان لا يجوز نسخ المتواتر بخبر الواحد. السادس: لا يشترط أن يكون الناسخ منقولا بمثل لفظ المنسوخ، بل أن يكون ثابتا، بأي طريق كان، فإن التوجه إلى بيت المقدس لم ينقل إلينا بلفظ القرآن والسنة، وناسخه نص صريح في القرآن، وكذلك لا يمتنع نسخ الحكم المنطوق به باجتهاد النبي (ص) وقياسه وإن لم يكن ثابتا بلفظ ذي صيغة وصورة يجب نقلها. السابع: لا يشترط أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ حتى لا ينسخ الامر إلا بالنهي ولا النهي إلا بالامر، بل يجوز أن ينسخ كلاهما بالإباحة، وأن ينسخ الواجب المضيق بالموسع، وإنما يشترط أن يكون الناسخ رافعا حكما من المنسوخ كيف كان. الثامن: لا يشترط كونهما ثابتين بالنص، بل لو كان بلحن القول وفحواه وظاهره وكيف كان، بدليل أن النبي (ص) بين أن آية وصية الأقارب نسخت بقوله: إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث مع أن الجمع بين الوصية والميراث ممكن، فليسا متنافيين تنافيا قاطعا.
التاسع: لا يشترط نسخ الحكم ببدل أو بما هو أخف، بل يجوز بالمثل والأثقل وبغير بدل كما سبق.
ولنذكر الآن مسائل تتشعب عن النظر في ركني المنسوخ والناسخ، وهي مسألتان في المنسوخ وأربع مسائل في المنسوخ به. - مسألة (هل الحكم الشرعي قابل للنسخ أم لا؟) مامن حكم شرعي إلا وهو قابل للنسخ خلافا للمعتزلة، فإنهم قالوا: من الافعال مالها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها، مثل معرفة الله تعالى والعدل وشكر المنعم فلا يجوز نسخ وجوبه، ومثل الكفر والظلم، الكذب، فلا يجوز نسخ تحريمه، وبنوا هذا على تحسين العقل وتقبيحه، وعلى وجوب الأصلح على الله تعالى ، وحجروا بسببه على الله تعالى في الأمر والنهي، وربما بنوا هذا على صحة إسلام الصبي، وأن وجوبه بالعقل وإن استثناء الصبي عنه غير ممكن، وهذه أصول أبطلناها وبينا أنه لا يجب أصل التكليف على الله تعالى كان فيه صلاح العباد أو لم يكن نعم بعد أن كلفهم، لا يمكن أن ينسخ جميع التكاليف إذ لا يعرف النسخ من لا يعرف الناسخ وهو الله عز وجل، ويجب على المكلف معرفة النسخ والناسخ، والدليل المنصوب عليه، فيبقى هذا التكليف بالضرورة، ونسلم أيضا أنه لا يجوز أن يكلفهم أن لا يعرفوه، وأن يحرم عليهم معرفته، لان قوله: أكلفك أن لا تعرفني