عن المأمور، إذ المأمور به الصلاة والمنهي عنه الغصب وهو في جواره.
مسألة (أصناف الترك ذات المتروك) المتفقون على صحة الصلاة في الدار المغصوبة ينقسم النهي عندهم إلى ما يرجع إلى ذات المنهي عنه فيضاد وجوبه، وإلى ما يرجع إلى غيره فلا يضاد وجوبه، وإلى ما يرجع إلى وصف المنهي عنه لا إلى أصله، وقد اختلفوا في هذا القسم الثالث، ومثال القسمين الأولين ظاهر، ومثال القسم الثالث: أن يوجب الطواف وينهى عن إيقاعه مع الحدث، أو يأمر بالصوم وينهى عن إيقاعه في يوم النحر، فيقال: الصوم من حيث أنه صوم مشروع مطلوب، ومن حيث أنه واقع في هذا اليوم غير مشروع، والطواف مشروع بقوله تعالى:
* (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (الحج: 92) ولكن وقوعه في حالة الحدث مكروه، والبيع من حيث أنه بيع مشروع، ولكن من حيث وقوعه مقترنا بشرط فاسد أو زيادة في العوض في الربويات مكروه، والطلاق من حيث أنه طلاق مشروع، ولكن من حيث وقوعه في الحيض مكروه، وحراثة الولد من حيث أنها حراثة مشروعة، ولكنها من حيث وقوعها في غير المنكوحة مكروهة، والسفر من حيث أنه سفر مشروع، ولكن من حيث قصد الإباق به عن السيد غير مشروع، فجعل أبو حنيفة هذا قسما ثالثا، وزعم أن ذلك يوجب فساد الوصف لا انتفاء الأصل، لأنه راجع إلى الوصف لا إلى الأصل، والشافعي رحمه الله ألحق هذا بكراهة الأصل ولم يجعله قسما ثالثا، وحيث نفذ الطلاق في الحيض صرف النهي عن أصله ووصفه إلى تطويل العدة أولو حق الندم عند الشك في الولد، وأبو حنيفة حيث أبطل صلاة المحدث دون طواف المحدث زعم أن الدليل قد دل على كون الطهارة شرطا في الصلاة، فإنه قال عليه الصلاة والسلام: لا صلاة إلا بطهور فهو نفي للصلاة لا نهي، وفي المسألة نظران:
أحدهما: في موجب مطلق النهي من حيث اللفظ، وذلك نظر في مقتضى الصيغة، وهو بحث لغوي نذكره في كتاب الأوامر والنواهي. والنظر الثاني: نظر في تضاد هذه الأوصاف وما يعقل اجتماعه وما لا يعقل إذا وقع التصريح به من القائل وهو أنه: هل يعقل أن يقول السيد لعبده: أنا آمرك بالخياطة وأنهاك عنها، ولا شك في أن ذلك لا يعقل منه، فإنه فيه يكون الشئ الواحد مطلوبا مكروها، ويعقل منه أن يقول: أنا أطلب منك الخياطة وأكره دخول هذه الدار والكون فيها ولا يتعرض في النهي للخياطة وذلك معقول، وإذا خاط في تلك الدار أتى بمطلوبه ومكروهه جميعا، وهل يعقل أن يقول: أطلب منك الخياطة وأنهاك عن إيقاعها في وقت الزوال، فإذا خاط في وقت الزوال فهل جمع بين المكروه والمطلوب أو ما أتى بالمطلوب؟ هذا في محل النظر، والصحيح أنه ما أتى بالمطلوب، وأن المكروه هي الخياطة الواقعة وقت الزوال لا الوقوع في وقت الزوال، مع بقاء الخياطة مطلوبة إذ ليس الوقوع في الوقت شيئا منفصلا عن الواقع، فإن قيل: فلم صحت الصلاة في أوقات الكراهة ولم صحت الصلاة الواقعة في الأماكن السبعة من بطن الوادي وأعطان الإبل؟ وما الفرق بينهما وبين النهي عن صوم يوم النحر؟ قلنا: من صحح هذه الصلوات لزمه صرف النهي عن أصل الصلاة ووصفها إلى غيره، وقد اختلفوا في انعقاد الصلاة في الأوقات المكروهة لترددهم في أن النهي نهي عن إيقاع الصلاة من حيث أنه إيقاع صلاة أو من أمر آخر مقترن