وقد كثر ضلال الناظرين فترك الخطر وطلب السلامة أولى؟ قلنا: وقد كثر ضلال المقلدين من اليهود والنصارى، فبم تفرقون بين تقليدكم وتقليد سائر الكفار حيث قالوا: انا وجدنا آباءنا على امه؟ ثم نقول: إذا وجبت المعرفة كان التقليد جهلا وضلالا، فكأنكم حملتم هذا خوفا من الوقوع في الشبهة كمن يقتل نفسه عطشا وجوعا خيفة من أن يغص بلقمة أو يشرق بشربة لو أكل وشرب، وكالمريض يترك العلاج رأسا خوفا من أن يخطئ في العلاج، وكمن يترك التجارة والحراثة خوفا من نزول صاعقة فيختار الفقر خوفا من الفقر. الشهبة الثانية:
تمسكهم بقوله تعالى: * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * (غافر: 4) وأنه نهى عن الجدال في القدر، والنظر يفتح باب الجدال؟ قلنا: نهى عن الجدال بالباطل كما قال تعالى:
* (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) * (غافر: 5) بدليل قوله تعالى: * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (النحل: 521) فأما القدر فنهاهم عن الجدال فيه، إما لأنه كان قد وقفهم على الحق بالنص فمنعهم عن الممارة في النص، أو كان في بدء الاسلام، فاحترز عن أن يسمعه المخالف فيقول: هؤلاء بعد لم تستقر قدمهم في الدين، أو لانهم كانوا مدفوعين إلى الجهاد الذي هو أهم عندهم، ثم إنا نعارضهم بقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الاسراء: 63) * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (البقرة: 961) * (قل هاتوا برهانكم) * (البقرة: 111) هذا كله نهي عن التقليد وأمر بالعلم، ولذلك عظم شأن العلماء، وقال تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * (المجادلة: 11) وقال عليه السلام: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين ولا يحصل هذا بالتقليد بل بالعلم، وقال ابن مسعود: لا تكونن إمعة، قيل: وما إمعة، قال: أن يقول الرجل أنا مع الناس إن ضلوا ضللت وإن اهتدوا اهتديت ألا لا يوطنن أحدكم نفسه أن يكفر إن كفر الناس.
- مسألة (تقليد العامي للعلماء) العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء، وقال قوم من القدرية: يلزمهم النظر في الدليل واتباع الامام المعصوم، وهذا باطل بمسلكين: أحدهما: إجماع الصحابة، فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم، فإن قال قائل من الامامية: كان الواجب عليهم اتباع على لعصمته، وكان علي لا ينكر عليهم تقية وخوفا من الفتنة؟ قلن: هذا كلام جاهل سد على نفسه باب الاعتماد على قول علي وغيره من الأئمة في حال ولايته إلى آخر عمره، لأنه لم يزل في اضطراب من أمره، فلعل جميع ما قاله خالف فيه الحق خوفا وتقية. المسلك الثاني: إن الاجماع منعقد على أن العامي مكلف بالأحكام، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال، لأنه يؤدي إلى أن ينقطع الحرث والنسل، وتتعطل الحرف والصنائع، ويؤدي إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بحملتهم بطلب العلم، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعايش، ويؤدي إلى اندراس العلم، بل إلى إهلاك العلماء وخراب العالم، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء، فإن قيل: فقد أبطلتم التقليد، وهذا عين التقليد؟ قلنا: التقليد قبول قول بلا حجة، وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي بدليل الاجماع، كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود،