البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم، وكذلك من سمع شهادة الرسول (ص)، فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى، وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ، وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الخلق، وليس ذلك، كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ، فإن قيل:
فقد قال (ص): نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. قلنا:
هذا هو الحجة، لأنه ذكر العلة وهو اختلاف الناس في الفقه، فما لا يختلف الناس فيه من الألفاظ المترادفة، فلا يمنع منه، وهذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، وإن أمكن أن تكون جميع الألفاظ قول رسول الله (ص) في أوقات مختلفة، لكن الأغلب أنه حديث واحد، ونقل بألفاظ مختلفة، فإنه روى: رحم الله امرءا ونضر الله امرءا وروي: ورب حامل فقه لا فقه له وروى: حامل فقه غير فقيه وكذلك الخطب المتحدة والوقائع المتحدة رواها الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة فدل ذلك على الجواز.
- مسألة (هل يقبل الحديث المرسل أم لا؟) المرسل مقبول عند مالك وأبي حنيفة والجماهير، ومردود عند الشافعي والقاضي، وهو المختار، وصورته أن يقول: قال رسول الله (ص) من لم يعاصره، أو قال: من لم يعاصر أبا هريرة، قال أبو هريرة: والدليل أنه لو ذكر شيخه ولم يعدله وبقي مجهولا عندنا لم نقبله، فإذا لم يسمه فالجهل أتم فمن لا يعرف عينه كيف تعرف عدالته، فإن قيل: رواية العدل عنه تعديل، فالجواب من وجهين: الأول: أنا لا نسلم، فإن العدل قد يروي عمن لو سئل عنه لتوقف فيه أو جرحه، وقد رأيناهم رووا عمن إذا سئلوا عنه عدلوه مرة وجرحوه أخرى، أو قالوا، لا ندري، فالراوي عنه ساكت عن تعديله، ولو كان السكوت عن الجرح تعديلا لكان السكوت عن التعديل جرحا، ولوجب أن يكون الراوي إذا جرح من روى عنه مكذبا نفسه ولان شهادة الفرع ليس تعديلا للأصل ما لم يصرح، وافتراق الرواية والشهادة في بعض التعبدات لا يوجب فرقا في هذا المعنى كما لم يوجب فرقا في منع قبول رواية المجروح والمجهول، وإذا لم يجز أن يقال: لا يشهد العدل إلا على شهادة عدل، لم يجز ذلك في الرواية، ووجب فيها معرفة عين الشيخ والأصل حتى ينظر في حالهما، فإن قيل: العنعنة كافية في الرواية مع أن قوله: روى فلان عن فلان عن فلان يحتمل ما لم يسمعه فلان عن فلان، بل بلغه بواسطة، ومع الاحتمال يقبل، ومثل ذلك في الشهادة لا يقبل، قلنا: هذا إذا لم يوجب فرقا في رواية المجهول، والمرسل مروي عن مجهول، فينبغي أن لا يقبل، ثم العنعنة جرت العادة بها في الكتبة، فإنهم استثقلوا أن يكتبوا عند كل اسم روي عن فلان سماعا منه، وشحوا على القرطاس، والوقت أن يضيعوه فأوجزوا، وإنما يقبل في الرواية ذلك إذا علم بصريح لفظه أو عامته أنه يريد به السماع، فإن لم يرد السماع فهو متردد بين المسند والمرسل، فلا يقبل.
الجواب الثاني: أنا إن سلمنا جدلا أن الرواية تعديل، فتعديله المطلق لا يقبل ما لم يذكر السبب، فلو صرح بأنه سمعه من عدل ثقة لم يلزم قبوله، وإن سلم قبول التعديل