وهو يريد التحريم. الثاني: ما نهي عنه نهي تنزيه، وهو الذي أشعر بأن تركه خير من فعله وإن لم يكن عليه عقاب، كما أن الندب هو الذي أشعر بأن فعله خير من تركه. الثالث: ترك ما هو الأولى وإن لم ينه عنه، كترك صلاة الضحى مثلا، لا لنهي ورد عنه، ولكن لكثرة فضله وثوابه، قيل فيه: إنه مكروه تركه. الرابع: ما وقعت الريبة والشبهة في تحريمه، كلحم السبع وقليل النبيذ، وهذا فيه نظر، لان من أداه اجتهاده إلى تحريمه فهو عليه حرام ومن أداه اجتهاده إلى حله فلا معنى للكراهية فيه إلا إذا كان من شبهة الخصم حزازة في نفسه ووقع في قلبه، فقد قال (ص): الاثم حزاز القلب فلا يقبح إطلاق لفظ الكراهة، لما فيه من خوف التحريم، وإن كان غالب الظن الحل، ويتجه هذا على مذهب من يقول: المصيب واحد فأما من صوب كل مجتهد فالحل عنده مقطوع به إذا غلب على ظنه الحل. وإذا فرغنا من تمهيد الأقسام فلنذكر المسائل المتشعبة عنها مسألة (أصناف الواجب) الواجب ينقسم إلى معين وإلى مبهم بين أقسام محصورة، ويسمى واجبا مخيرا كخصلة من خصال الكفارة، فإن الواجب من جملتها واحد لا بعينه، وأنكرت المعتزلة ذلك وقالوا: لا معنى للايجاب مع التخيير، فإنهما متناقضان، ونحن ندعي أن ذلك جائز عقلا وواقع شرعا: أما دليل جوازه عقلا: فهو أن السيد إذا قال لعبده: أوجبت عليك خياطة هذا القميص، أو بناء هذا الحائط في هذا اليوم أيهما فعلت اكتفيت به وأثبتك عليه، وإن تركت الجميع عاقبتك ولست أوجب الجميع، وإنما أوجب واحدا لا بعينه، أي واحد أردت، فهذا كلام معقول، ولا يمكن أن يقال أنه لم يوجب عليه شيئا، لأنه عرضه للعقاب بترك الجميع فلا ينفك عن الوجوب، ولا يمكن أن يقال: أوجب واحدا لا بعينه وأما دليل وقوعه شرعا فخصال الكفارة، بل إيجاب إعتاق الرقبة، فإنه بالإضافة إلى أعيان العبيد مخير، وكذلك تزويج البكر الطالبة للنكاح من أحد الكفؤين الخاطبين واجب، ولا سبيل إلى إيجاب الجمع، وكذلك عقد الإمامة لاحد الامامين الصالحين للإمامة واجب والجمع محال، فإن قيل: الواجب جميع خصال الكفارة، فلو تركها عوقب على الجميع، ولو أتى بجميعها وقع الجميع واجبا، ولو أتى بواحد سقط عنه الآخر، و قد يسقط الواجب بأسباب دون الأداء، وذلك غير محال، قلنا هذا لا يطرد في الامامين والكفؤين، فإن الجمع فيه حرام، فكيف يكون الكل واجبا؟ ثم هو خلاف الاجماع في خصال الكفارة، إذ الأمة مجمعة على أن الجميع غير واجب. واحتجوا بأن الخصال الثلاث إن كانت متساوية الصفات عند الله تعالى بالإضافة إلى صلاح العبد، فينبغي أن يجب الجميع، تسوية بين المتساويات، وأن تميز بعضها بوصف يقتضي الايجاب، فينبغي أن يكون هو الواجب، ولا يجعل مبهما بغيره كيلا يلتبس بغيره، قلنا ومن سلم لكم أن للأفعال أوصافا في ذواتها لأجلها، يوجبها الله تعالى، بل الايجاب إليه، وله أن يعين واحدة من الثلاث المتساويات فيخصصها بالايجاب دون غيرها، وله أن يوجب واحدا لا بعينه، ويجعل مناط التعيين اختيار المكلف لفعله حتى لا يتعذر عليه الامتثال؟ احتجوا: بأن الواجب هو الذي يتعلق به الايجاب وإذا كان الواجب واحدا من الخصال الثلاث علم الله تعالى ما تعلق به الايجاب، فيتميز ذلك في علمه، فكان هو الواجب، قلنا: إذا أوجب واحدا لا بعينه
(٥٤)