كان ذلك دليلا ظاهرا كالقطع في كونها من القرآن، فدل أن الاجتهاد لا يتطرق إلى أصل القرآن أما ما هو من القرآن وهو مكتوب بخطه فالاجتهاد فيه يتطرق إلى تعيين موضعه وأنه من القرآن مرة أو مرات، وقد أوردنا أدلة ذلك في كتاب حقيقة القرآن وتأويل ما طعن به على الشافعي رحمه الله من ترديده القول في هذه المسألة، فإن قيل: قد أوجبتم قراءة البسملة في الصلاة، وهو مبني على كونها قرآنا، وكونها قرآنا لا يثبت بالظن، فإن الظن علامة وجوب العمل في المجتهدات، وإلا فهو جهل أي ليس بعلم، فليكن كالتتابع في قراءة ابن مسعود قلنا: وردت أخبار صحيحة صريحة في وجوب قراءة البسملة، وكونها قرآنا متواترا معلوم وإنما المشكوك فيه أنها قرآن مرة في سورة النمل أو مرات كثيرة في أول كل سورة، فكيف تساوي قراءة ابن مسعود ولا يثبت بها القرآن ولا هي خبر، وهاهنا صحت أخبار في وجوب البسملة وصح بالتواتر أنها من القرآن، وعلى الجملة فالفرق بين المسألتين ظاهر.
النظر الثالث في ألفاظه وفيه ثلاث مسائل:
- مسألة (الحقيقة والمجاز) ألفاظ العرب تشتمل على الحقيقة والمجاز كما سيأتي في الفرق بينهما، فالقرآن يشتمل على المجاز خلافا لبعضهم، فنقول: المجاز اسم مشترك، قد يطلق على الباطل الذي لا حقيقة له، والقرآن منزه عن ذلك، ولعله الذي أراده من أنكر اشتمال القرآن على المجاز، وقد يطلق على اللفظ الذي تجوز به عن موضوعه، وذلك لا ينكر في القرآن مع قوله تعالى: * (أولئك) * (يوسف: 28)، وقوله: * (جدارا يريد أن ينقض) * (الكهف: 77)، وقوله: * (لهدمت صوامع وبيع وصلوات) * (الحج: 04)، فالصلوات كيف تهدم * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (النساء: 43 والمائدة: 6) * (الله نور السماوات والأرض) يؤذن الله وهو يريد رسوله. * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) * (البقرة: 491)، والقصاص حق، فكيف يكون عدوانا؟ (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 04) * (ذلول) * (البقرة: 51) * (ويمكرون ويمكر الله) * (الأنفال: 03)، * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * (المائدة: 46) * ((18) أحاط بهم سرادقها) * (الكهف: 92) وذلك ما لا يحصى وكل ذلك مجاز كما سيأتي.
- مسألة (هل القرآن كله عربي؟) قال القاضي رحمه الله القرآن عربي كله لا عجمية فيه، وقال قوم: فيه لغة غير العرب، واحتجوا بأن المشكاة هندية، والاستبرق فارسية، وقوله: * (وفاكهة وأبا) * (عبس: 13) قال بعضهم: الأب ليس من لغة العرب، والعرب قد تستعمل اللفظة العجمية فقد استعمل في بعض القصائد العثجاة يعني صدر المجلس، وهو معرب، كمشكاة، وقد تكلف القاضي إلحاق هذه الكلمات بالعربية، وبين أوزانها، وقال: كل كلمة في القرآن استعملها أهل لغة أخرى فيكون أصلها عربيا، وإنما غيرها غيرهم تغييرا ما كما غير العبرانيون فقالوا للإلاه: لاهوت، وللناس: ناسوت، وأنكر أن يكون في القرآن لفظ عجمي مستدلا بقوله تعالى: * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)