الله تعالى، وأنه المظهر له على لسان رسوله (ص) المفهم إيانا بواسطته نسخ كتابه، ولا يقدر عليه غيره، ثم لو نسخ الله تعالى آية على لسان رسوله (ص) ثم أتى بآية أخرى مثلها، كان قد حقق وعده، فلم يشترط أن تكون الآية الأخرى هي الناسخة للأولى، ثم نقول: ليس المراد الاتيان بقرآن آخر خير منها، لان القرآن لا يوصف بكون بعضه خيرا من البعض كيفما قدر قديما أو مخلوقا، بل معناه أن يأتي بعمل خير من ذلك العمل، لكونه أخف منه أو لكونه أجزل ثوابا.
- مسألة (لا ينسخ الاجماع) الاجماع لا ينسخ به إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نسخ فالاجماع بالاجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمان نزول الوحي من كتاب أو سنة، أما السنة فينسخ المتواتر منها بالمتواتر والآحاد بالآحاد، أما نسخ المتواتر منها بالآحاد فاختلفوا في وقوعه سمعا وجوازه عقلا، فقال قوم: وقع ذلك سمعا، فإن أهل مسجد القباء تحولوا إلى الكعبة بقول واحد أخبرهم وكان ثابتا بطريق قاطع فقلبوا نسخه عن الواحد، والمختار جواز ذلك عقلا لو تعبد به ووقوعه سمعا في زمان رسول الله (ص) بدليل قصة قباء، وبدليل أنه كان ينفذ آحاد الولاة إلى الأطراف، وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا، ولكن ذلك ممتنع بعد وفاته، بدليل الاجماع من الصحابة، على أن القرآن والمتواتر المعلوم لا يرفع بخبر الواحد، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف، والعمل بخبر الواحد تلقى من الصحابة وذلك فيما لا يرفع قاطعا، بل ذهب الخوارج إلى منع نسخ القرآن بالخبر المتواتر حتى أنهم قالوا رجم ماعز وإن كان متواترا لا يصلح لنسخ القرآن، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، وإن تواترت، وليس ذلك بمحال، لأنه يصح أن يقال: تعبدناكم بالنسخ بخبر الواحد في زمان نزول الوحي وحرمنا ذلك بعده، فإن قيل: كيف يجوز ذلك عقلا وهو رفع القاطع بالظن، وأما حديث قباء فلعله انضم إليه من القرائن ما أورث العلم، قلنا: تقدير قرائن معرفة توجب إبطال أخبار الآحاد وحمل عمل الصحابة على المعرفة بالقرائن ولا سبيل إلى وضع ما لم ينقل، وأما قولهم إنه رفع للقاطع بالظن فباطل، إذ لو كان كذلك لقطعنا بكذب الناقل ولسنا نقطع به، بل نجوز صدقه، وإنما هو مقطوع به بشرط أن لا يرد خبر نسخه، كما أن البراءة الأصلية مقطوع بها وترتفع بخبر الواحد، لأنها تفيد القطع، بشرط عدم خبر الواحد، فإن قيل: بم تنكرون على من يقطع بكونه كاذبا، لان الرسول عليه السلام أشاع الحكم، فلو ثبت نسخه للزمه الإشاعة، قلنا: ولم يستحيل أن يشيع الحكم، ويكل النسخ، إلى الآحاد، كما يشيع العموم وبكل التخصيص إلى المخصص؟
- مسألة (لا يصح نسخ المتواتر بالقياس) لا يجوز نسخ النص القاطع المتواتر بالقياس المعلوم بالظن والاجتهاد على اختلاف مراتبه، جليا كان أو خفيا، هذا ما قطع به الجمهور إلا شذوذا منهم قالوا: ما جاز التخصيص به جاز النسخ به، وهو منقوض بدليل العقل وبالاجماع وبخبر الواحد، فالتخصيص بجميع ذلك جائز دون النسخ، ثم كيف يتساويان والتخصيص بيان والنسخ رفع والبيان تقرير والرفع إبطال، وقال بعض أصحاب الشافعي، يجوز النسخ بالقياس الجلي، ونحن نقول: لفظ الجلي مبهم فإن أرادوا المقطوع به فهو صحيح، وأما المظنون فلا، وما