إثباته عند ثبوت ذلك الشئ بل يبقى على ما كان قبل النطق ويكون المنطوق به النفي عند الانتقاء فقط بخلاف قوله: لا إله إلا الله، ولا عالم إلا زيد، لأنه إثبات ورد على النفي والاستثناء من النفي إثبات، ومن الاثبات نفي، وقوله لا صلاة ليس فيه تعرض للطهارة بل للصلاة فقط، وقوله: إلا بطهور ليس إثباتا للصلاة، بل للطهور الذي لم يتعرض له في الكلام فلا يفهم منه إلا الشرط.
- مسألة (مفهوم اللقب) القائلون بالمفهوم أقروا بأنه لا مفهوم لقوله: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * (النساء: 53) ولا لقوله: إيما امرأة نكحت بغير إذن وليها لان الباعث على التخصيص العادة، لأن الخلع لا يجري إلا عند الشقاق، والمرأة لا تنكح نفسها إلا إذا أبى الولي.
وكذلك القائلون بمفهوم اللقب قالوا: لا مفهوم لقوله: صبوا عليه ذنوبا من ماء وليستنج بثلاثة أحجار لأنه ذكرهما لكونهما غالبين، وإذا كان يسقط المفهوم بمثل هذا الباعث فحيث لم يظهر لنا الباعث احتمل أن يكون ثم باعث لم يظهر لنا، فكيف يبني الحكم على عدم ظهور الباعث لنا، فإن قيل: فلو انتفى الباعث المخصص في علم الله تعالى واستوت الحاجة في المذكور والمسكوت واستويا في الذكر ولم يكن أحدهما منسيا، فهل يجوز للنبي عليه السلام أن يخص أحدهما بالذكر؟ فإن جوزتم فهو نسبة له إلى اللغو والعبث، وكان كقوله: يجب الصوم على الطويل والأبيض، فقلنا: وهل يجب على القصير والأسود؟ فقال: نعم، قلنا:
فلم خصصت هذا بالذكر؟ فقال: بالتشهي والتحكم، فلا شك أنه ينسب إلى خلاف الجد ويصلح ذلك لان يلقب به ليضحك منه كما يقول القائل: اليهودي إذا مات لا يبصر فيكون ذلك هزؤا، فثبت بهذا أن هذا دليل إن لم يكن باعث، فإذا لم يظهر فالأصل عدمه، أما إسقاط دلالته بالتوهم باعث على التخصيص سوى اختصاص الحكم به، فهو رفع للدلالة بالتوهم، قلنا: ما ذكرتموه مسلم، وهو أيضا جار في تخصيص اللقب، واليهودي اسم لقب، ويستقبح تخصيصه. ولا مفهوم للقب، لان ذلك يحسم سبيل القياس، وإنما أسقط مفهوم اللقب لأنه ليس فيه دلالة من حيث اللفظ، بل هو نطق بشئ وسكوت عن شئ، فينبغي أن يقال: فلم سكت عن البعض ونطق بالبعض، فنقول: لا ندري فإن ذلك يحتمل أن يكون بسبب اختصاص الحكم ويحتمل أن يكون بسبب آخر فلا يثبت الاختصاص بمجرد احتمال ووهم، وكذلك تخصيص الوصف، ولا فرق، فإذا لسنا ندرأ الدليل بالوهم بل الخصم يبني الدليل على الوهم، فإنه ما لم ينتف سائر البواعث لا يتعين باعث اختصاص الحكم وتقدير انتفاء البواعث وهم مجرد، وأما قول القائل: اليهودي إذا مات لا يبصر، فليس استقباحه للتخصيص، بل لأنه ذكر ما هو جلي، فإنه لو قال: الانسان إذا مات لم يبصر، أو الحيوان إذا مات لا يبصر استقبح ذلك، لأنه تعرض لما هو واضح في نفسه، فإن تعرض لمشكل فلا يستقبح التخصيص في كل مقام، كقوله: العبد إذا وقع في الحج لزمته الكفارة، فهذا لا يستقبح وإن شاركه الحر، وكقوله: الانسان لا يتحرك إلا بالإرادة، ولا يريد إلا بعد الادراك، فلا يستقبح وإن كان سائر الحيوان شاركه فيهما.
هذا تمام التحقيق في المفهوم، وبه تمام النظر في الفن الثاني، وهو اقتباس الحكم من