لسواده عتق كل عبد أسود بقوله: أعتقت غانما لسواده، ومنهم من قال: لا يكفي أن يعلم قصده عتقه بمجرد السواد ما لم ينو بهذا اللفظ عتق جميع السودان، فإن نوى كفاه هذا اللفظ لاعتاق جميع السودان مع النية، ولم يكن فيه إلا إرادته معنى عاما بلفظ خاص، وذلك غير منكر، كما لو قال: والله لا أكلت لفلان خبزا ولا شربت من مائة جرعة، ونوى به دفع المنة، حنث بأخذ الدراهم والثياب والأمتعة، وصلح اللفظ الخاص مع هذه النية للمعنى العام، كما صلح قوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * (النساء: 01) للنهي عن الاتلاف العام: وقوله * (فلا تقل لهما أف) * (الاسراء: 32) للنهي عن الايذاء العام، فإذا استتب لهؤلاء الفرق التسوية بين الخطابين فإنهم إنما يعممون الحكم إذا دل الدليل على إرادة الشرع تعليق الحكم المجردة، ولكنه غير مرضي عندنا، بل الصحيح أنه لا يعتق إلا غانم بقوله: أعتقت غانما لسواده، وإن نوى عتق السودان، لأنه يبقى في حق غير غانم مجرد النية والإرادة فلا تؤثر. الوجه الثاني: من الجواب أن الأمة مجمعة على الفرق، إذ تجب التسوية في الحكم مهما قال: حرمت الخمر لشدتها فقيسوا عليها كل مشتد، ولو قال: أعتقت غانما لسواده فقيسوا عليه كل أسود، اقتصر العتق على غانم عند الأكثرين، فكيف يقاس أحدهما على الآخر مع الاعتراف بالفرق، وإنما اعترفوا بالفرق لان الحكم لله في أملاك العباد، وفي أحكام الشرع وقد علق أحكام الاملاك حصولا وزوالا بالألفاظ دون الإرادات المجردة، وأما أحكام الشرع فتثبت بكل ما دل على رضا الشرع وإرادته من قرينة ودلالة وإن لم يكن لفظا بدليل أنه لو بيع مال لتاجر بمشهد منه بأضعاف ثمنه فاستبشر وظهر أثر الفرح عليه لم ينفذ البيع إلا بتلفظه بإذن سابق أو إجازة لاحقة عند أبي حنيفة ولو جرى بين يدي رسول الله (ص) فعل فسكت عليه دل سكوته على رضاه وثبت الحكم به، فكيف يتساويان، بل ضيق الشرع تصرفات العباد حتى لم تحصل أحكامها بكل لفظ بل ببعض الألفاظ، فإنه لو قال الزوج: فسخت النكاح وقطعت الزوجية ورفعت علاقة الحل بيني وبين زوجتي لم يقع الطلاق ما لم ينو الطلاق، فإذا تلفظ بالطلاق وقع وإن نوى غير الطلاق، فإذا لم تحصل الاحكام بجميع الألفاظ بل ببعضها فكيف تحصل بما دون اللفظ مما يدل على الرضا. الوجه الثالث: أن قول القائل: لا تأكل هذه الحشيشة لأنها سم ولا تأكل الهليلج فإنه مسهل، ولا تأكل العسل فإنه حار، ولا تأكل أيها المفلوج القثاء فإنه بارد، ولا تشرب الخمر فإنه يزيل العقل، ولا تجالس فلانا فإنه أسود، فأهل اللغة متفقون على أن معقول هذا التعليل تعدى النهي إلى كل ما فيه العلة هذا مقتضى اللغة، وهذا أيضا مقتضاه في العتق، لكن التعبد منع من الحكم بالعتق بالتعليل بل، لا بد فيه من اللفظ الصريح المطابق للمحل، ولا مانع منه في الشرع، إذ كل ما عرف بإشارة وأمارة وقرينة فهو كما عرف باللفظ، فكيف يستويان مع الاجماع على الفرق، لان المفرق بين المتماثلات كالجامع بين المختلفات، فمن أثبت الحكم للخلافين يتعجب منه ويطلب منه الجامع، ومن فرق بين المثلين يتعجب منه لماذا فرق بينهما، فإن قيل: إن قال من تجب طاعته: بع هذه الدابة لجماحها، وبع هذا العبد لسوء خلقه، فهل يجوز للمأمور بيع ما شاركه في العلة؟ فإن قلتم
(٣٠٠)