وذلك يوجب نوعا من الاتحاديين بين المعطوف والمعطوف عليه، لكن الواو محتمل أيضا للابتداء، كقوله تعالى: * (لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى) [الحج: 5] وقوله عز وجل: (فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله) [الشورى: 24] والذي يدل على أن التوقف أولى أنه ورد في القرآن الأقسام كلها من الشمول والاقتصار على الأخير والرجوع إلى بعض الجمل السابقة، كقوله تعالى: * (في) * (النور: 4) فقوله تعالى:
* (إلا الذين تابوا) * (النور: 5) لا يرجع إلى الجلد، ويرجع إلى الفسق، وهل يرجع إلى الشهادة؟ فيه خلاف، وقوله تعالى: * (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) * (النساء: 29) يرجع إلى الأخير وهو الدية، لان التصدق لا يؤثر في الاعتاق، وقوله تعالى: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) [المائدة: 89] فقوله: (فمن لم يجد) [المائدة: 89] يرجع إلى الخصال الثلاثة، وقوله تعالى: * (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه) * إلى قوله: * (إلا قليلا) * (النساء: 83) فهذا يبعد حمله على الذي يليه لأنه يؤذي إلى أن لا يتبع الشيطان بعض من لم يشمله فضل الله ورحمته، فقيل أنه محمول على قوله: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (النساء: 83) إلا قليلا منهم لتقصير وإهمال وغلط، وقيل: إنه يرجع إلى قوله: * (أذاعوا به) * (النساء: 83) ولا يبعد أن يرجع إلى الأخير، ومعناه: ولولا فصل الله عليكم ورحمته ببعثة محمد عليه السلام لاتبعتم الشيطان إلا قليلا قد كان تفضل عليهم بالعصمة من الكفر قبل البعثة، كأويس القرني، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة وغيرهم ممن تفضل الله عليهم بتوحيده واتباع رسوله قبله.
القول في دخول الشرط على الكلام اعلم أن الشرط عبارة عما لا يوجد المشروط مع عدمه، لكن لا يلزم أن يوجد عند وجوده، وبه يفارق العلة، إذ العلة يلزم وجودها وجود المعلول، والشرط يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجوده، والشرط عقلي وشرعي ولغوي، والعقلي: كالحياة للعلم، والعلم للإرادة، والمحل للحياة، إذ الحياة تنتفي بانتفاء المحل، فإنه لا بد لها من محل، ولا يلزم وجودها بوجود المحل. والشرعي كالطهارة للصلاة، والاحصان للرجم. واللغوي: كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن جئتني أكرمتك، فإن مقتضاه في اللسان باتفاق أهل اللغة اختصاص الاكرام بالمجئ، فإنه إن كان يكرمه دون المجئ لم يكن كلامه اشتراطا، فنزل الشرط منزلة تخصيص العموم ومنزلة الاستثناء إذ لا فرق بين قوله: * (فاقتلوا المشركين) * (التوبة: 5) إلا أن يكونوا أهل عهد، وبين أن يقول: اقتلوا المشركين إن كانوا حربيين، وكل واحد من الشرط والاستثناء يدخل على الكلام فيغيره عما كان يقتضيه لولا الشرط والاستثناء حتى يجعله متكلما بالباقي، لا إنه مخرج من كلامه ما دخل فيه فإنه لو دخل فيه لما خرج، نعم: كان يقبل القطع في الدوام بطريق النسخ، فأما رفع ما سبق دخوله في الكلام فمحال، فإذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار، فمعناه: أنك عند الدخول طالق، فكأنه لم يتكلم بالطلاق إلا بالإضافة إلى حال الدخول، أما أن نقول: تكلم