من الشمس والنار والواقع على العقل الذي به يهتدى في الغوامض، فلا مشاركة بين حقيقة ذات العقل والضوء إلا كمشاركة السماء للانسان في كونها جسما، إذ الجسمية فيهما لا تختلف البتة، مع أنه ذاتي لهما، ويقرب من لفظ النور لفظ الحي على النبات والحيوان، فإنه بالاشتراك المحض إذ يراد به من بعض النبات المعنى الذي به نماؤه، ومن الحيوان المعنى الذي به يحس ويتحرك بالإرادة، وإطلاقه على الباري تعالى إذا تأملت عرفت أنه لمعنى ثالث يخالف الامرين جميعا، ومن أمثال هذه تتابع الأغاليط مغلطة أخرى، قد تلتبس المترادفة بالمتباينة، وذلك إذا أطلقت أسام مختلفة على شئ واحد باعتبارات مختلفة، ربما ظن أنها مترادفة كالسيف والمهند والصارم، فإن المهند يدل على السيف مع زيادة نسبة إلى الهند، فخالف إذا مفهومه مفهوم السيف، والصارم يدل على السيف مع صفة الحدة والقطع، لا كالأسد والليث، وهذا كما أنا في اصطلاحاتنا النظرية نحتاج إلى تبديل الأسامي على شئ واحد عند تبدل اعتباراته، كما أنا نسمي العلم التصديقي الذي هو نسبة بين مفردين دعوى إذا تحدى به المتحدي ولم يكن عليه برهان، إن كان في مقابلة خصم، وإن لم يكن في مقابلة خصم سميناه قضية، كأنه قضى فيه على شئ بشئ، فإن خاض في ترتيب قياس الدليل عليه سميناه مطلوبا، فإن دل بقياسه على صحته سميناه نتيجة، فإن استعمله دليلا في طلب أمر آخر ورتبه في أجزاء القياس سميناه مقدمة وهذا ونظائره مما يكثر.
مثال الغلط في المشترك: قول الشافعي رحمه الله تعالى في مسألة المكره على القتل:
يلزمه القصاص، لأنه مختار، ويقول الحنفي، لا يلزمه القصاص، لأنه مكره، وليس بمختار، ويكاد الذهن لا ينبو عن التصديق بالامرين، وأنت تعلم أن التصديق بالضدين محال، وترى الفقهاء يتعثرون فيه ولا يهتدون إلى حله، وإنما ذلك لان لفظ المختار مشترك، إذ قد يجعل لفظ المختار مراد فاللفظ القادر ومساويا له إذ قوبل بالذي لا قدرة له على الحركة الموجودة كالمحمول، فيقال: هذا عاجز محمول، وهذا قادر مختار، ويراد بالمختار القادر الذي يقدر على الفعل وتركه، وهو صادق على المكره، وقد يعبر بالمختار عمن تخلى في استعمال قدرته ودواعي ذاته، بلا تحرك دواعيه من خارج، وهذا يكذب على المكره، ونقيضه وهو أنه ليس بمختار يصدق عليه، فإذا صدق عليه أنه مختار وأنه ليس بمختار، ولكن بشرط أن يكون مفهوم المختار المنفي غير مفهوم المختار المثبت، ولهذا نظائر في النظريات لا تحصى تاهت فيها عقول الضعفاء، فليستدل بهذا القليل على الكثير.
الفصل الثاني من الفن الأول: النظر في المعاني المفرد ة ويظهر الغرض من ذلك بتقسيمات ثلاثة: الأول: أن المعنى إذا وصف بالمعنى ونسب إليه وجد إما ذاتيا وإما عرضيا وإما لازما وقد فصلناه. والثاني: أنه إذا نسب إليه وجد إما أعم كالوجود بالإضافة إلى الجسمية، وإما أخص كالجسمية بالإضافة إلى الوجود، وإما مساويا كالمتحيز بالإضافة إلى الجوهر عند قوم، وإلى الجسم عند قوم. الثالث: إن المعاني باعتبار أسبابها المدركة لها ثلاثة: محسوسة ومتخيلة ومعقولة، ولنصطلح على تسمية سبب الادراك قوة فنقول في حدقتك معنى به تميزت الحدقة عن الجبهة حتى صرت تبصر بها، وإذا بطل ذلك المعنى