القسم الأول من الفن الأول من مقاصد القطب الثالث في المجمل والمبين اعلم أن اللفظ إما أن يتعين معناه بحيث لا يحتمل غيره فيسمى مبينا ونصا، وإما أن يتردد بين معنيين فصاعدا من غير ترجيح، فيسمى مجملا، وإما أن يظهر في أحدهما ولا يظهر في الثاني فيسمى ظاهرا، والمجمل هو اللفظ الصالح لاحد معنيين الذي لا يتعين معناه لا بوضع اللغة ولا بعرف الاستعمال وينكشف ذلك بمسائل.
مسألة (كيفية معرفة المجمل قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 32) و: * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3) ليس بمجمل، وقال قوم من القدرية: هو مجمل لان الأعيان لا تتصف بالتحريم، وإنما يحرم فعل ما يتعلق بالعين وليس يدري ما ذلك الفعل، فيحرم من الميتة مسها أو أكلها أو النظر إليها أو بيعها والانتفاع بها فهو مجمل، والام يحرم منها النظر أو المضاجعة أو الوطئ، فلا يدري أيه، ولا بد من تقدير فعل وتلك الأفعال كثيرة وليس بعضها أولى من بعض، وهذا فاسد إذ عرف الاستعمال كالوضع، ولذلك قسمنا الأسماء إلى عرفية ووضعية، وقدمنا بيانها، ومن أنس بتعارف أهل اللغة واطلع على عرفهم علم أنهم لا يستريبون في أن من قال: حرمت عليك الطعام والشراب أنه يريد الاكل دون النظر والمس، وإذا قال:
حرمت عليك هذا الثوب أنه يريد اللبس، وإذا قال حرمت عليك النساء أنه يريد الوقاع، وهذا صريح عندهم مقطوع به فكيف يكون مجملا والصريح تارة يكون بعرف الاستعمال وتارة بالوضع، وكل ذلك واحد في نفي الاجمال، وقال قوم: هو من قبيل المحذوف كقوله تعالى: * (واسأل القرية) * أي أهل القرية (يوسف: 28) وكذلك قوله تعالى: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * أي أكل البهيمة * (أحل لكم صيد البحر) * (المائدة: 69) وهذا إن أراد به إلحاقه بالمجمل، فهو خطأ، وإن أراد به حصول الفهم به مع كونه محذوفا فهو صحيح، وإن أراد به إلحاقه بالمجاز فيلزمه تسمية الأسماء العربية مجازا.
- مسألة (رفع الخطأ والنسيان) قوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان يقتضي بالوضع نفي نفس الخطأ والنسيان وليس كذلك، وكلامه (ص) يجل عن الخلف، فالمراد به رفع حكمه لا على الاطلاق، بل الحكم الذي عرف بعرف الاستعمال قبل ورود الشرع إرادته بهذا اللفظ، فقد كان يفهم قبل الشرع من قول القائل لغيره: رفعت عنك الخطأ والنسيان، إذ يفهم منه رفع حكمه لا على الاطلاق، وهو المؤاخذة بالذم والعقوبة فكذلك قول رسول الله (ص) نص صريح فيه، وليس بعام في جميع أحكامه من الضمان ولزوم القضاء وغيره، ولا هو مجمل بين المؤاخذة التي ترجع إلى الذم ناجزا أو إلى العقاب آجلا وبين الغرم والقضاء، لأنه لا صيغة لعمومه حتى يجعل عاما في كل حكم، كما لم يجعل قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 32) عاما في كل فعل، مع أنه لا بد من إضمار فعل، فالحكم هاهنا لا بد من إضماره لإضافة الرفع إليه، كالفعل، ثم ينزل على ما يقتضيه عرف الاستعمال، وهو الذم، والعقاب هاهنا والوطئ، ثم فإن قيل: فالضمان أيضا عقاب، فليرتفع؟ قلنا: الضمان قد يجب امتحانا ليثاب عليه، لا للانتقام، ولذلك يجب على الصبي والمجنون، وعلى العاقلة بسبب الغير، ويجب حيث يجب الاتلاف، كالمضطر في