عليه حكم العدوان إن أراد به أنه إنما نهي عنه مع النهي عن ضده، فهو محال، والعصيان عبارة عن ارتكاب منهي، قد نهي عنه، فإن لم يكن نهي لم يكن عصيان، فكيف يفرض النهي عن شئ وعن ضده أيضا؟ ومن جوز تكليف ما لا يطاق عقلا فإنه يمنعه شرعا، لقوله تعالى:
* (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 682) إن قيل: فإن رجحتم جانب الخروج لتقليل الضرر فما قولكم فيمن سقط على صدر صبي محفوف بصبيان وقد علم أنه لو مكث قتل من تحته أو انتقل قتل من حواليه ولا ترجيح، فكيف السبيل؟ قلنا: يحتمل أن يقال:
إمكث، فإن الانتقال فعل مستأنف لا يصح إلا من حي قادر، وأما ترك الحركة فلا يحتاج إلى استعمال قدرة، ويحتمل أن يقال: يتخير إذ لا ترجيح، ويحتمل أن يقال لا حكم لله تعالى فيه، فيفعل ما يشاء، لان الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس على منصوص، ولا نص في هذه المسألة، ولا نظير لها في المنصوصات، حتى يقاس عليه، فبقي على ما كان قبل ورود الشرع، ولا يبعد خلو واقعة عن الحكم، فكل هذا محتمل، وأما تكليف المحال فمحال.
- مسألة (المقتضى بالتكليف) اختلفوا في المقتضى بالتكليف، والذي عليه أكثر المتكلمين أن المقتضى به الاقدام أو الكف وكل واحد كسب العبد، فالامر بالصوم أمر بالكف، والكف فعل يثاب عليه، والمقتضى بالنهي عن الزنا والشرب التلبس بضد من وقال بعض أضداده، وهو الترك، فيكون مثابا على الترك الذي هو فعله المعتزلة: قد يقتضي الكف فيكون فعلا، وقد يقتضي أن لا يفعل ولا يقصد التلبس بضده فأنكر الأولون، هذا وقالوا: المنتهي بالنهي مثاب، ولا يثاب إلا على شئ وأن لا يفعل عدم وليس بشئ، ولا تتعلق به قدرة، إذ القدرة تتعلق بشئ، فلا يصح الاعدام بالقدرة، وإذا لم يصدر منه شئ فكيف يثاب على لا شئ؟ والصحيح أن الامر فيه منقسم، أما الصوم فالكف فيه مقصود، ولذلك تشترط فيه النية، وأما الزنا والشرب فقد نهي عن فعلهما، فيعاقب فاعلهما، ومن لم يصدر منه ذلك فلا يعاقب، ولا يثاب إلا إذا قصد كف الشهوة عنهما مع التمكن، فهو مثاب على فعله، وأما من لم يصدر منه المنهي عن فعله فلا يعاقب عليه ولا يثاب، لأنه لم يصدر منه شئ، ولا يبعد أن يكون مقصود الشرع أن لا تصدر منه الفواحش، ولا يقصد منه التلبس بأضدادها.
- مسألة (هل المكره مكلف؟) فعل المكره يجوز أن يدخل تحت التكليف، بخلاف فعل المجنون والبهيمة، لان الخلل تم في المكلف لا في المكلف به، فإن شرط تكليف المكلف السماع والفهم وذلك في المجنون والبهيمة معدوم، والمكره يفهم، وفعله في حيز الامكان، إذ يقدر على تحقيقه وتركه، فإن أكره على أن يقتل جاز أن يكلف ترك القتل، لأنه قادر عليه، وإن كان فيه خوف الهلاك، وإن كلف على وفق الاكراه فهو أيضا ممكن، بأن يكره بالسيف على قتل حية همت بقتل مسلم، إذ يجب قتلها، أو أكره الكافر على الاسلام، فإذا أسلم نقول: قد أدى ما كلف، وقالت المعتزلة: إن ذلك محال لأنه لا يصح منه إلا فعل ما أكره عليه فلا يبقى له خيرة، وهذا محال، لأنه قادر على تركه، ولذلك يجب عليه ترك ما أكره عليه إذا أكره على قتل مسلم، وكذلك لو أكره على قتل حية فيجب قتل الحية، وإذا أكره على إراقة الخمر فيجب عليه إراقة الخمر، وهذا ظاهر، ولكن فيه غور، وذلك لان الامتثال إنما يكون طاعة إذا كان الانبعاث له